وممن (١) نبغ في عصرنا هذا ونشأ، وبذ فيما أدرك بشق نفسه الكهول والنشأ، وحاز قَصَب السَّبْق في حلية البراعة، وساد بجلائل فضائله فرسان اليراعة، الإمام المتفق عليه، والهمام المختلف إليه، حافظ قوانين الشرع، ملخص مشكلات الأصل والفرع، ملك أفاضل البشر، مؤسس قواعد الفقه والنظر، ابن العالم المحقق والحبر المدقق الذي هو في العلم كالبحر الطامي، وفي الحلم كالطود السامي، متع الله الولد بالوالد والوالد بالولد، وجعل من يعاديهما أذل من بيضة البلد.
فهو الذي أنفق ريَّان عمره وحداثة سنه في اقتباس كل فضيلة تسمو به إلى المحل الأرفع، وإحراز كل منقبة توطئة ذروة العز الأقيس والمجد الأتلع (٢)، حتى أدرك في العلم مدى لا يشق له فيه غبار، وتسنم غارب رتبة لم يباره فيها من ذوي الفضل مبار، حفظ في صباه من اللغة والإعراب أصولًا لم نسمع بمن تيسر له حفظها وتسنى، وتعنَّى (٣) في تحمل كلف اقتباسها مثل ما تعنَّى.
وحصل في الرياضيات وغيرها كتبًا لا يضبطها عد مكتنزة بفوائد لا يحيط بها حد، واستظهر في الفقه نسخًا لا يتصدى لها إلا المختص بالعناية الأزلية، المرشح لإدراك المراتب السنية والمناصب العلية، لا سيما أصول محمَّد بن الحسن، الكافلة بإبراز كل معنى دقيق ووجه حسن كـ "الجامعين" و "الزيادات"، المفضية بحاملها إلى نيل السعادات، فإنّه حفظها عن ظهر قلبه بإعانة خالقه وتوفيق ربه، مع المبالغة في إتقانها، والإسهاب في معرفتها وإيقانها، والتصحيح لأصولها ومبانيها، والإحاطة بدقائق حقائقها وغوامض معانيها.