الماثل بين الكوفة والقادسية استوقفه منظرها طويلا فنقب وبحث ثم كتب ما لاح له، فأما ياقوت فثبت عنده أن مجاوري ذلك الموضع كانوا يسمونه في عصره «طيز ناباذ» وسبقه إلى بيان ذلك المؤرخ البلاذري، واتفقا على أن اسمه الأول «ضيز ناباذ»، ولكن مجاوريه الفرس حرفوا الضاد طاء؛ لأن لغتهم خالية من الضاد، وقالا: ضيز ناباذ مؤلفة من كلمتين «ضيزن» وهو اسم بانيها و «أباذ» ومعناها بالفارسية العمارة فتكون ترجمتها «عمارة ضيزن»، وحرفتها العامة في العهد الأخير فقالت:«طعيريزات»، وهو اسمها الشائع اليوم على ما جاء في مجلة لغة العرب البغدادية، ص ٣١٩، وربما قالوا العريسات، كما جاء بها أيضا في مواضع مختلفة، وهي كما في معجم البلدان تبعد عن القادسية في جادة الحاج مسافة ميل، وكانت في صدر الإسلام من أنزه المواضع محفوفة بالكروم والشجر والحانات والمعاصر مقصودة للهو والبطالة، وفي القرن السادس كانت خرابا ولم يبق بها إلا أثر قباب كانوا يسمونها «قباب أبي نواس» لأبيات نظمها أبو نواس فيها أوردها ياقوت (ج ٦، ص ٧٩)، وهي اليوم آثار أبنية في تلال وهضاب.
أما مشيد دعائمها والمنسوبة إليه فهو صاحب هذه الترجمة: الضيزن بن معاوية بن الإحرام (أو الأجرام) بن سعد بن سليح بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة (كذا نسبه في كتابي المعجم والفتوح رواية عن الكلبي)، وكان ملكا مذكورا بالبأس والمنعة تخشاه أقيال العرب وملوكها، فكانوا يهادونه ويسالمونه خوفا من بطشه، وكان قد ملك الجزيرة إلى الشام، والعرب في ذلك العهد، كما تدلك كتب الثقاة من مؤرخيهم، كانوا بين جاذبين سياسيين قويين:
أحدهما دولة الفرس وهي لا تألو جهدا في تقريب من داناها من أمراء القبائل وملوك العشائر فتنعم عليهم وتحسن إليهم ثم تطلقهم في بلاد الروم يعيثون بها فسادا ويقلقون سكانها، والثاني الروم، يصنعون صنيع الفرس، حذوك النعل بالنعل وكان الضيزن مشايعا للروم متحيزا إليهم يغير رجاله على العراق