«إساف»، والثاني «نائلة»، فعكف على عبادتهما وأمر قومه وعشيرته بعبادة الأوثان وتعظيمها، ثم دعا العرب كافة إلى رفع شأنها واحترامها والتقرب منها، فأجابه السواد الأعظم منهم رغبة أو رهبة، وشد جماعة من عقلائهم ومفكريهم، ففضلوا الديانات المعروفة في ذلك العصر كالإسرائيلية والنصرانية، ومنهم من اختار مذهب المجوس والزنادقة أو الثنوية، أو عبادة الكواكب، وثبت فريق على ديانته الأولى. واستمر الأكثرون على عبادة الأصنام وتقريب القرابين لها حتى جاء الإسلام فحطمها وحول الناس عن ابتغائها بعد أن كثر عددها وفشا أمرها واتخذت كل قبيلة من قبائل العرب صنما ابتدعته، ومنهم من بنى له بيتا ليكون كالكعبة يطاف حوله، حتى إذا ارتفع لصاحب ذلك الصنم شأن أو كان له سلطان على من جاوره من العشائر دعاهم إلى تعظيمه وعبادته وناضل عنه ببأسه وقوته، تشبها بقريش في سدانتها للكعبة وسيادتها بذلك.
وقد حطم المسلمون نيفا وثلاثمائة صنم، وقيل: إنها كانت على عدد أيام السنة، ومن أشهر أصنام العرب:«هبل الأنف ذكره، و «إساف»، وكان على الصفا، ونائلة وكان على المروة، و «مناة» وكان عند الأوس والخزرج في مدينة يثرب، واللات» وكان لثقيف في الطائف، و «العزى» وكان لقريش وكنانة، وود لبني كلب بدومة الجندل، و «سواع» لهذيل، و «يغوث» لمذحج، و «يعوق» لهمذان، وأصنامهم كثيرة يضيق بها مجال هذا الكتاب.
أما عمرو بن لحي المترجم: فقد كان في عصر سابور ملك العجم (قاله الشهرستاني)، وسوابير العجم ثلاثة: سابور بن أردشير (مات سنة ٣٩٨ ق. هـ) وسابور بن هرمز المعروف بذي الأكتاف (مات سنة ٢٧٨ ق. هـ)، وسابور ابن ذي الأكتاف (مات سنة ٢٦٩ ق. هـ)، وأشهرهم عند سكان جزيرة العرب ذو الأكتاف؛ فإنه غزاهم وكان له معهم حديث طويل، والذي ذهبت إليه في تاريخ صاحب الترجمة أنه كان في عصر سابور الأول ورجحه عندي قدم