للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من القرآن لا يفصل بينه وبين الأرض فاصل إلا الرمال والحصى، فأخذوه إلى المتوكل ووصفوا له حالته وكان المتوكل جالسا يستعمل الشراب فأجلسه إلى جانبه وعرض عليه كأسا فاعتذر بأنه لم يذقها فعافاه منها، ثم قال: أنشد في شعرا أستحسنه فقال: إني لقليل الرواية للشعر قال: لابد أن تنشدني، فأنشده:

باتوا على قلل الأجبال تحرسهم … غلب الرجال فما أغنتهم القلل

واستنزلوا بعد عز عن معاقلهم … فأودعوا حفرا يا بئس ما نزلوا

ناداهم صارخ من بعد ما قبروا … أين الأسرة والتيجان والحلل

أين الوجوه التي كانت منعمة … من دونها تضرب والاستار والكلل

فأفصح القبر عنهم حين ساء لهم: … تلك الوجوه عليها الدود يقتتل

قد طال ما أكلوا دهرا وما شربوا … فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكلوا

فهاجت الأبيات إشفاق المتوكل فبكى وأمر برفع الشراب، ثم قال: يا أبا الحسن عليك دين؟ قال: نعم، أربعة آلاف دينار فأمر بدفعها إليه ورده إلى منزله مكرما .. أقول: هذه الأبيات التي أنشدها صاحب الترجمة نقلتها وقصتها عن وفيات الأعيان.

وحكى مؤلف سراج الملوك أنها مترجمة عن كتابة بالحميرية قديمة قبل الإسلام كانت منقوشة على بعض قصور ملوك حمير؛ وعبارته: قال وهب بن منبه: أصبت على غمدان وهو قصر سيف بن ذي يزن بأرض صنعاء اليمن، وكان من الملوك الأجلة مكتوبا بالقلم المسند مترجما بالعربية، وإذا هي هذه الأبيات، وفي الكنز المدفون جاءت الأبيات أكثر مما تقدم بزيادة الأبيات الآتية في أولها:

انظر لماذا ترى يا أيها الرجل … وكن على حذر من قبل تنتقل

وقدم الزاد من خير تسر به … فكل ساكن دار سوف يرتحل

<<  <   >  >>