للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أبو طالب حين حضرته الوفاة، واجتمعت عليه وجوه قريش نذكرها عنه قال:

«يا بني قريش! إنكم صفوة الله من خلقه، وقلب العرب، وفيكم السيد المطاع، والمتقدم الشجاع، والواسع الباع، لم تتركوا للعرب في المآثر نصيبا إلا أحرزتموه، ولا شرفا إلا أدركتموه، فلكم على الناس بذلك الفضيلة، ولهم به إليكم الوسيلة، والناس لكم حرب، وعلى حربكم ألب، وإني أوصيكم بتعظيم هذه البنية؛ فإن فيها مرضاة للرب، وقواما للمعاش، وثباتا للوطأة، صلوا أرحامكم ولا تقطعوها؛ فإن في صلة الرحم منسأة في الأجل، وزيادة في العدد، واتركوا البغي والعقوق؛ ففيهما هلكت القرون قبلكم، وأجيبوا الداعي وأعطوا السائل؛ فإن فيهما شرف الحياة والممات، وعليكم بصدق الحديث وأداء الأمانة؛ فإن فيهما محبة في الخاص ومكرمة في العام، وأنا أوصيكم بمحمد خيرا؛ فإنه الأمين في قريش، والصديق في العرب، وهو جامع لكل ما أوصيكم به، وقد جاء بأمر: قبله الجنان وأنكره اللسان مخافة الشنان، وأيم الله كأني أنظر إلى صعاليك العرب وأهل البر في الأطراف والمستضعفين من الناس: قد أجابوا دعوته وصدقوا كلمته وعظموا أمره فخاض بهم غمرات فصارت رؤساء قريش وصناديدها أذنابا، ودورها خرابا، وضعفاؤها أربابا، وإذا أعظمهم عليه أحوجهم إليه وأبعدهم منه أحظاهم عنده، قد محضته العرب ودادها، وأصغت له فؤادها وأعظمته قيادها، دونكم يا معاشر قريش ابن أبيكم، كونوا له ولاة ولحزبه حماة ووالله لا يسلك أحد منكم سبيله إلا رشد، ولا يأخذ أحد بهديه إلا سعد، ولو كان لنفسي مدة ولأجلي تأخير لكفيت عنه الهزاهز، ولدفعت عنه الدواهي».

ومن خطبه ما ذكره الإمام المبرد قال: خطب أبو طالب لرسول الله في تزويجه خديجة بنت خويلد فقال: «الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم، وزرع إسماعيل، وجعل لنا بلدا حراما، وبيتا محجوجا، وجعلنا الحكام على الناس، ثم إن محمد بن عبد الله ابن أخي: من لا يوازن به فتى من قريش إلا رجح

<<  <   >  >>