للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كبرائهم فأبلغوه طاعتهم وأخذوه وعادوا إلى الأندلس فأرسى بهم المركب في المنكب (وذلك في شهر ربيع الأول سنة ١٣٨ هـ)، ثم انتقلوا إلى إشبيلية ومنها إلى قرطبة فعلم بهم والي الأندلس يوسف بن عبد الرحمن الفهري، وكان غائبا عن قرطبة بنواحي طليطلة فأقبل ونشب قتال بين عسكره ومن التف حول عبد الرحمن بن معاوية انتهى بظفر عبد الرحمن فدخل قرطبة واستقر بها وبنى فيها القصر والمسجد الجامع ومساجد للجماعات ووافاه عدد كبير من الأمويين، وكان يدعو للمنصور العباسي ويظهر أنه لا يميل إلى الخروج عن طاعة ملوك العباسيين في العراق فهدأت به ثائرة الأندلس واطمأن الناس إليه وأحبوه لعدله ورأفته ثم قطع خطبة العباسيين وجهر بالاستقلال.

« … وكان من أهل العلم والمعرفة بالأدب وله شعر، ووصفه صاحب البيان المغرب فقال: «أظن صفته: طويل القد، أصهب، أعور، خفيف العارضين، بوجهه خال، له ضفيرتان»، وكان المنصور يلقبه بصقر قريش، ولقب الداخل لأنه أول من دخل الأندلس من ملوك بني أمية: قال ابن الأثير في نعته:

وكان لسنا شاعرا حليما عالما حازما سريع النهضة في طلب الخارجين عليه لا يخلد إلى راحة ولا يسكن إلى دعة، ولا يكل الأمور إلى غيره، ولا ينفرد في الأمور برأيه، شجاعا مقداما بعيد الغور شديد الحذر، سخيا جوادا، يكثر لبس البياض، يقاس بالمنصور في حزمه وشدته وضبط المملكة، وبنى الرصافة بقرطبة تشبها بجده هشام حيث بنى الرصافة بالشام»، وعند أول نزوله بالرصافة رأى فيها نخلة منفردة فهاجت شجنه، وتذكر وطنه فقال:

تبدت لنا وسط الرصافة نخلة … تناءت بأرض الغرب عن بلد النخل

فقلت شبيهي في التغرب والنوى … وطول التنائي عن بني وعن أهلي

نشأت بأرض أنت فيها غريبة … فمثلك في الإقصاء والمنتأى مثلي

سقتك غوادي المزن من صوبها الذي … يسح ويستمري السماكين بالوبل

<<  <   >  >>