ولكره الناس المشاغب بعد ما قاسوا وما عانوا في أيام مروان ومن تقدمه، وكان الحجاج بن يوسف قد توفي سنة ٩٥ هـ، أي قبل تولية سليمان بسنة والناس له كارهون، ومن شدته مشتكون، فسرهم موته ثم استخلف سليمان فأملوا به خيرا؛ فإنه أطلق الأسرى وأمر بإخلاء السجون والعفو عن المجرمين وأحسن إلى الناس بما علقهم بحبه، وعهد أولا بالخلافة إلى ابنه أيوب، فمات في حياته فعهد إلى وزيره ومشيره ابن عمه عمر بن عبد العزيز الملك الصالح، وكان الناس يعرفون صلاحه وحسن دينه وفضله، فشملهم السرور وسموا سليمان: مفتاح الخير.
وهو أبو أيوب سليمان بن عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي القرشي، وكان موصوفا بالفصاحة وجودة الفهم والفطنة وحب الخير والعدل والميل إلى فتح البلدان والغزو.
وفي سنة ٩٨ هـ أراد أن يقرن اسمه بأسماء كبار الفاتحين فجهز الجيوش والسفن وسيرها بقيادة أخيه مسلمة بن عبد الملك لحصار القسطنطينية فلما بلغها خدعته الروم وأصاب الجيش جوع شديد ومحنة وبلاء ولم يزل بها حتى بلغه موت أخيه سليمان، وتولية عمر بن عبد العزيز فكتب إليه عمر أن يعود فعاد، ولم يصب نجاحا، وفي أيام سليمان فتحت جرجان وطبرستان من بلاد الترك ولم تكن أمصارا، بل هي جبال ومخارم وأبواب يقوم الرجل على باب منها فلا يقدم عليه أحد.
وكانت عاصمة دمشق عاصمة آبائه، وأما إقامة مدة خلافته فأكثرها كان في دابق من أرض قنسرين، وبها مات ودفن ولم يحكم غير سنتين وثمانية أشهر إلا أياما، وكان معجبا بنفسه، لبس يوما حلة خضراء وعمامة خضراء ونظر في المرآة فقال: أنا الملك الفتي! فمات قبل تمضي عليه جمعة، ونظرت إليه جارية فقال: ما تنظرين؟ فقالت: