في "الكتاب"، لأنه قال في "المدونة": "وإن لم ينو حمله على عنقه، حج هو راكبًا، وحج بالرجل معه، ولا [هدى](١) عليه".
فبعض المتأخرين يقول:"إنما ألزمهُ الحج في نفسه لأنهُ نواهُ، ولو لم ينوه لكان لا شيء عليه".
وبعضهم يقول: يلزمه الحج، بظاهر لفظه كأنه أراد السير معه إلى بيت الله، ويدل عليه قوله في "الكتاب": "أنا أحج بفلان" أوجب [عليه](٢) من قوله: "أنا أحملهُ" -لا يريد على عنقه، وذلك يدل على أنه يلزمه الحج في الأمرين جميعًا، إلا أن أحد اللفظين أظهر من الآخر في الوجوب، لأن قوله:"أحج بفلان"، يفيد السير معه، والمشي في صحبته مع ما يناله من الرفق بماله، وهذا أظهر احتمالات اللفظ.
وقوله:"أنا أحمله"، ولم يرد بذلك على عنقه، فأظهر الاحتمالات أن يحمله في ماله، ويزوده منه دون أن يسير معه.
ولا شك ولا خفاء أنَّ: لفظة "الحمل" مشتركة بين العرف اللغوي والعرف الشرعي:
فالعرف اللغوي: الحملُ على الرقبة، والعرف الشرعي: الحملُ في المال، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:"حَمَلْتُ على فرس عتيق في سبيل الله (٣) "، قال الله تعالى:{وَلا عَلَى الّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَوْا ...}(٤)، واللفظة إذا وردت ولها عرفان: لغوي وشرعي، فإنما تحمل على الشرعي عند كثير من الأصوليين، ولهذا اعتبر
(١) في أ: شيء. (٢) سقط من أ. (٣) أخرجه البخاري (١٤٩٠) ومسلم (١٦٢٠). (٤) سورة التوبة الآية (٩٢).