فَفِي الْجُمْلَةِ: مَا نَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مِن قُرْبِ الرَّبِّ مِن عَابِدِيهِ وَدَاعِيهِ هوَ مُقَيَّد مَخْصُوصٌ، لَا مُطلَقٌ عَامٌ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ؛ كَمَا قَالَ: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} [البقرة: ١٨٦] فَهَذَا قُرْبُهُ مِن دَاعِيه.
وَأَمَّا قُرْبُهُ مِن عَابِدِيهِ: فَفِي مِثْل قَوْلِهِ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} [الإسراء: ٥٧]، وَقَالَ: "مَن تَقرَّبَ إلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْت إلَيْهِ ذرَاعًا" (١) فَهَذَا قُرْبُة إلَى عَبْدِهِ وَقُرْبُ عَبْدِهِ إلَيْهِ (٢).
وَدُنُوُّهُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا: لَا يَخْرُجُ عَن الْقِسْمَيْنِ؛ فَإِنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ" (٣) فَدُنُوُّهُ لِدُعَائِهِمْ.
وَأَمَّا نُزُولُهُ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ:
- فَإِنْ كَانَ لِمَن يَدْعُوهُ وَيَسْألُهُ ويسْتَغْفِرُهُ (٤): فَإِنَ ذَلِكَ الْوَقْتَ يَحْصُلُ فِيهِ مَن قُرْبِ الرَّبِّ إلَى عَابِدِيهِ مَا لَا يَحْصُلُ فِي غَيْرِهِ، فَهُوَ مِن هَذَا.
- وَإِن كَانَ مُطْلَقًا: فَيَكُونُ بِسَبَبِ الزَّمَانِ كَوْنُة يَصْلُحُ لِهَذَا، وإن لَمْ يَقَعْ فِيهِ.
وَنَظِيرُهُ "سَاعَةُ الْإِجَابَةِ" يَوْمَ الْجُمُعَةِ: رُوِيَ أَنَّهَا مُقَيَّدَةٌ بِفِعْلِ الْجُمُعَةِ، وَهِيَ مِن حِينِ يَصْعَدُ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الصَلَاةُ؛ وَلهَذَا تَكُونُ مُقَيَّدَةً بِفِعْلِ الْجُمُعَةِ، فَمَن لَمْ يُصَلِّ الْجُمْعَةَ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَيَعْتَقِدْ وُجُوبَهَا: لَمْ يَكُن لَهُ فِيهَا نَصِيبٌ.
(١) رواه البخاري (٧٥٣٧)، ومسلم (٢٦٧٥).(٢) فقوله: "مَن تَقرَّبَ إلَيَّ شِبْرًا": هذا قُرْبُ عَبْدِهِ إلَيْهِ -سبحانه وتعالي-.وقوله: "تَقَرَّبْت إلَيْهِ ذِرَاعًا": هَذَا قُرْبُهُ تعالى إلَى عَبْدِهِ.فبقدر قربك -أيها المؤمن- من ربك عبادةً ودعاءً وتوكلًا ورجاءً وخضوعًا: يقربك منه، فيُجيب دعاءك، ويعطيك سُؤلك، ويقضي لك حاجتك، ويزيدك علمًا، ويُوسعك فهمًا.(٣) رواه الترمذي (٣٥٨٥)، ومالك (٥٧٢)، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.(٤) أي: ليس نزولًا مطلقًا في جميع الأحوال.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute