وَقَد يَتَّفِقُ أَنَّ مَن يَحْكُمُ (١) بِذَلِكَ يَزِيدُ ذَلِكَ ظُلْمًا بِجَهْلِهِ وَظُلْمِهِ، وَيَتَّفِقُ أَنَّ كُلَّ أَهْلِ ظُلْمٍ وَشَرٍّ يَزِيدُونَ الشَّرَّ شَرًّا، وَيَنْسُبُونَ هَذَا الظُّلْمَ كُلَّهُ إلَى شَرْعِ مَن نَزَّهَهُ اللهُ عَن الظُّلْمِ، وَبَعَثَهُ بِالْعَدْلِ وَالْحِكْمَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَجَعَلَ الْعَدْلَ الْمَحْضَ الَّذِي لَا ظُلْمَ فِيهِ هُوَ شَرْعُهُ.
وَلهَذَا كَانَ الْعَدْلُ وَشَرْعُهُ مُتَلَازِمَيْنِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: ٥٨]، وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٤٢)} [المائدة: ٤٢]. [٣٠/ ٣٤٨ - ٣٥٥]
* * *
(إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عِنْدَ غَيْرِهِ حَقٌّ: فَهَل يَأْخُذُهُ أَو نَظِيرَهُ بِغَيْرِ إدْنِهِ؟)
٣٩٦٥ - إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عِنْدَ غَيْرِهِ حَقٌّ مِن عَيْنٍ أَو دَيْنٍ: فَهَل يَأْخُذُهُ أَو نَظِيرَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ؟ فَهَذَا نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ ظَاهِرًا لَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتٍ؛ مِثْل اسْتِحْقَاقِ الْمَرْأَةِ النَّفَقَةَ عَلَى زَوْجِهَا، وَاسْتِحْقَاقَ الْوَلَدِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ وَالِدُهُ، وَاسْتِحْقَاقِ الضَّيْفِ الضِّيَافَةَ عَلَى مَن نَزَلَ بِهِ، فَهُنَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِدُونِ إذْنِ مَن عَلَيْهِ الْحَقُّ بِلَا ريبٍ؛ كَمَا ثَبَتَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" (٢) أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عتبة بْنِ رَبِيعَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ: إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَإِنَّهُ لَا يُعْطِينِي مِن النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَبَنِيَّ، فَقَالَ: "خُذِي مَا يَكلفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ".
فَأَذِنَ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ نَفَقَتَهَا بِالْمَعْرُوفِ بِدُونِ إذْنِ وَليِّهِ.
وَهَكَذَا مَن عَلِمَ أَنَّهُ غُصِبَ مِنْهُ مَالُهُ غَصْبًا ظَاهِرًا يَعْرِفُهُ النَّاسُ، فَأَخَذَ
(١) من الحكام والأمراء والقضاة وغيرِهم.(٢) البخاري (٥٣٦٤)، ومسلم (١٧١٤).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute