فَإِذَا كَانُوا قَد أُلْزِمُوا بِالْمُبَايَعَةِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُلْزَمُوا بِأَنْ يَبِيعُوا بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ؛ لِأنَّ ذَلِكَ ظُلْمٌ لَهُمْ، وَإِذَا كَانَ غَيْرُهُم قَد مُنِعَ مِن الْمُبَايَعَةِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُمَكَّنُوا أَنْ يَبِيعُوا بِمَا اخْتَارُوا؛ فَإِنَّ ذَلِكَ ظُلْمٌ لِلنَّاسِ.
يَبْقَى أَنْ يُقَالَ: فَهَل يَجُوزُ الْتِزَامُهُم بِمِثْل ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ عَلَى أَنْ يَكُونُوا هُم الْبَائِعِينَ لِهَذَا الصِّنْفِ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَأَنْ لَا يَبِيعُوة إلَّا بِقِيمَةِ الْمِثْل مِن غَيْرِ مَكْسٍ يُوضَعُ عَلَيْهِمْ؟ فَهَل يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَ بِهِم ذَلِكَ أَمْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَتْرُكَ أَحَدًا يَفْعَلُ ذَلِكَ؟
قِيلَ: أَمَّا إذَا اخْتَارُوا أَنْ يَقُومُوا بِمَا يَحْتَاجُ النَّاسُ إلَيْهِ مِن تِلْكَ الْمَبِيعَاتِ، وَأَنْ لَا يَبِيعُوهَا إلَّا بِقِيمَةِ الْمِثْل عَلَى أَنْ يُمْنَعَ غَيْرُهُم مِن الْبَيْعِ، وَمَن اخْتَارَ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُم فِي ذَلِكَ مُكِّنَ: فَهَذَا لَا يَتَبَيَّنُ تَحْرِيمُهُ؛ بَل قَد يَكُونُ فِي هَذَا مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ لِلنَّاسِ. [٢٩/ ٢٥٤ - ٢٥٥]
* * *
(حكم الشراء من الْمَكَّاس؟)
٤٠٠٨ - وَسُئِلَ -قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ-: عَن مَدِينَةٍ لَا يُذْبَحُ فِيهَا شَاةٌ إلَّا وَيَأْخُذُ الْمُكَّاسُ سِقْطَهَا وَرَأْسَهَا وكوارعها مَكْسًا (١)، ثُمَّ يَضَعُ ذَلِكَ وَيَبِيعُهُ فِي الْأَسْوَاقِ، وَفِي الْمَدِينَةِ مَن لَا يَمْتَنِعُ مِن شِرَاءِ ذَلِكَ وَأَكْلِهِ مِن أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَلَيْسَ يُبَاعُ فِي الْمَدِينَةِ رُءُوسٌ وكوارع وَأَسْقَاطٌ إلَّا عَلَى هَذَا الْحُكْمِ وَلَا يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ، فَهَل يَحْرُمُ شِرَاءُ ذَلِكَ وَأَكْلُهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَمْ لَا؟
فَأَجَابَ: هَذِهِ حُكْمُهَا حُكْمُ مَا يَأخُذُهُ الْمُلُوكُ مِن الْكُلَفِ الَّتِي يَضْرِبُونَهَا عَلَى النَّاسِ.
(١) مكَسَ الشَّيْء مكسًا: نقص.والْمُمَاكسة فِي البيع: طلبُ المشتري من البائع أَنْ يُنْقص الثّمن.والماكس: من يَأْخُذ المكس من التُّجَّار، جمع مُكَّاس.والْمَكْس: الضريبة يَأْخُذهَا المكاس مِمَّن يدْخل الْبَلَد من التُّجَّار.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute