وَأَمَّا إنْ أَرَادَ الْقَائِلُ: "مَا ثَمَّ إلَّا اللهُ" مَا يَقُولُهُ أَهْلُ الِاتِّحَادِ مِن أَنَّهُ مَا ثَمَّ مَوْجُودٌ إلَّا اللهُ، وَيَقُولُونَ: لَيْسَ إلَّا اللهُ؛ أَيْ: لَيْسَ مَوْجُودٌ إلَّا اللهُ، وَيَقُولُونَ: إنَّ وُجُودَ الْمَخْلُوقَاتِ هُوَ وُجُودُ الْخَالِقِ، وَالْخَالِقُ هُوَ الْمَخْلُوقُ، وَالْمَخْلُوقُ هُوَ الْخَالِقُ، وَالْعَبْدُ هُوَ الرَّبُّ، وَالرَّبُّ هُوَ الْعَبْدُ، وَنَحْو ذَلِكَ مِن مَعَانِي الِاتِّحَادِيَّةِ، الَّذِينَ لَا يُفَرِّقونَ بَيْنَ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ، وَلَا يُثْبِتُونَ الْمُبَايَنَةَ بَيْنَ الرَّبِّ وَالْعَبْدِ، وَنَحْو ذَلِكَ مِن الْمَعَانِي الَّتِي تُوجَدُ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَبِيِّ الطَّائِي، وَابْنِ سَبْعِينَ، وَابْنِ الْفَارِضِ، والتلمساني، وَنَحْوِهِمْ مِن الِاتِّحَادِيَّةِ.
وَكَذَلِكَ مَن يَقُولُ بِالْحُلُولِ كَمَا يَقُولُهُ الْجَهْمِيَّة الَّذِينَ يَقُولُونَ: إنَّ اللهَ بِذَاتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، ويجْعَلُونَهُ مُخْتَلِطًا بِالْمَخْلُوقَاتِ، حَتَّى إنَّ هَؤُلَاءِ يَجْعَلُونَهُ فِي الْكِلَابِ وَالْخَنَازِيرِ وَالنَّجَاسَاتِ، أَو يَجْعَلُونَ وُجُودَ ذَلِكَ وُجُودَهُ، فَمَن أَرَادَ هَذِهِ الْمَعَانِيَ فَهُوَ مُلْحِدٌ ضَالٌّ، يَجِبُ أَنْ يُسْتَتَابَ؛ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ. [٢/ ٤٨٨ - ٤٩٠]
* * *
(حديث: "لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ")
٢٦٠ - قَوْلُهُ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ" (١): مَرْوِيٌّ بِأَلْفَاظٍ أُخَر كَقَوْلِهِ: "يَقُولُ اللهُ: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي الْأَمْرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ" (٢).
فَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: "بِيَدِي الْأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ" يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ الزَّمَانُ؛ فَإِنَّهُ قَد أَخْبَرَ أَنَّهُ يُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَالزَّمَانُ هُوَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، فَدَلَّ نَفْسُ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ هُوَ يُقَلِّبُ الزَّمَانَ وَيُصَرِّفُهُ.
وَقَد أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ بِخَلْقِهِ الزَّمَانَ فِي غَيْرِ مَوْضِع كَقَوْلِهِ: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام: ١]، وَقَوْلِهِ: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي
(١) رواه مسلم (٢٢٤٦).(٢) رواه البخاري (٤٨٢٦)، ومسلم (٢٢٤٦).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute