(هل في الشريعة تَكْلِيف مَا لَا يُطَاقُ؟)
٣٢٦ - هَذِهِ الْعِبَارَةُ -وهي: تَكْلِيف مَا لَا يُطَاقُ- وَإن كَثُرَ تَنَازُعُ النَّاسِ فِيهَا نَفْيًا وَإِثْبَاتًا، فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ الْخِلَافَ الْمُحَقَّقَ فِيهَا نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَا اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى جَوَازِهِ (١) وَوُقُوعِهِ؛ وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي إطْلَاقِ الْقَوْلِ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا يُطَاقُ.
وَالثَّانِي: مَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُطَاقُ، لَكِنْ تَنَازَعُوا فِي جَوَازِ الْأَمْرِ بِهِ، وَلَمْ يَتَنَازَعُوا فِي عَدَمِ وُقُوعِهِ.
فَأمَّا أَنْ يَكُونَ أَمْرٌ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُطَاقُ وَتَنَازَعُوا فِي وُقُوعِ الْأَمْرِ بِهِ: فَلَيْسَ كَذَلِكَ.
فَالنَّوْعُ الْأوَّلُ: كَتَنَازُعِ الْمُتَكَلِّمِينَ مِن مُثْبِتَةِ الْقَدَرِ ونفاته فِي اسْتِطَاعَةِ الْعَبْدِ، وَهِيَ قُدْرَتُهُ وَطَاقَتُهُ: هَل يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مَعَ الْفِعْلِ لَا قَبْلَهُ، أَو يَجِبُ أَنْ تَكونَ مُتَقَدِّمَةً عَلَى الْفِعْلِ، أَو يَجِبُ أَنْ يمُونَ مَعَهُ وَإِن كَانَت مُتَقَدّمَةً عَلَيْهِ؟.
الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ مُحَقِّقُو الْمُتَكَلِّمِينَ وَأَهْلُ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالتَّصَوُّفِ وَغَيْرِهِمْ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ: وَهُوَ أَنّ الِاسْتِطَاعَةَ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَهِيَ الْمُصَحِّحَةُ لِلْفِعْلِ لَا يَجِبُ أَنْ تُقَارِنَ الْفِعْلَ.
وَأَمَّا الِاسْتِطَاعَةُ الَّتِي يَجِبُ مَعَهَا وُجُودُ الْفِعْلِ فَهِيَ مُقَارِنَةٌ لَهُ.
فَالْأُولَى: كَقَوْلِهِ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل: عمران:٩٧].
وَقَوْلِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: "صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ" (٢).
(١) أي: جواز تَكْلِيف مَا لَا يُطَاقُ.(٢) رواه البخاري (١١١٧).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute