إذَا ثَبَتَتْ هَذِهِ الْأَنْوَاعُ الدَّاخِلَةُ فِي قِسْمِ التَّعْلِيقِ: فَقَد عَلِمْت أَنَّ بَعْضَهَا مَعْنَاهُ مَعْنَى الْيَمِينِ بِصِيغَةِ الْقَسَمِ، وَبَعْضَهَا لَيْسَ مَعْنَاهُ ذَلِكَ.
فَمَتَى كَانَ الشَّرْطُ الْمَقْصُودُ: حَضًّا عَلَى فِعْلٍ، أَو مَنْعًا مِنْهُ، أَو تَصْدِيقًا لِخَبَرِ، أو تَكْذِيبًا: كَانَ الشَّرْطُ مَقْصُودَ الْعَدَمِ هُوَ وَجَزَاؤُهُ؛ كَنَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ عَلَى وَجْهِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ. [٣٥/ ٢٤٢ - ٢٥٠، ٢٧٨]
* * *
(قَاعِدة فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ)
٤٩٨٨ - إنَّ الْحَالِفَ بِاللهِ سبحانه وتعالى قَد بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى حُكْمَهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ فَقَالَ تَعَالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: ٨٩].
وَكَانُوا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لَا مَخْرَجَ لَهُم مِن الْيَمِينِ قَبْلَ أَنْ تُشْرَعَ الْكَفَّارَةُ .. ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَمِينَ بِاللهِ عَقْدٌ بِاللهِ، فَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ كَمَا يَجِبُ بِسَائِرِ الْعُقودِ وَأَشَدُّ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَحْلِفُ بِاللهِ، أَو أُقْسِمُ بِاللهِ، وَنَحْو ذَلِكَ: فِي مَعْنَى قَوْلِهِ أَعْقِدُ بِاللهِ؛ وَلهَذَا عُدِّيَ بِحَرْفِ الْإِلْصَاقِ (١) الَّذِي يُسْتَعْمَلُ فِي الرَّبْطِ وَالْعَقْدِ، فَيَنْعَقِدُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بِاللهِ كمَا تَنْعَقِدُ إحْدَى الْيَدَيْنِ بِالْأُخْرَى فِي الْمُعَاقَدَةِ؛ وَلهَذَا سَمَّاهُ اللهُ عَقْدًا فِي قَوْلِهِ: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ}، فَإِذَا كَانَ قَد عَقَدَهَا بِاللهِ كَانَ الْحِنْثُ فِيهَا نَقْضًا لِعَهْدِ اللهِ وَمِيثَاقِهِ، لَوْلَا مَا فَرَضَهُ اللهُ مِن التَّحِلَةِ، وَلهَذَا سُمِّيَ حَلُّهَا حِنْثًا.
والْحِنْثُ: هُوَ الْإِثْمُ فِي الْأَصْلِ؛ فَالْحِنْثُ فِيهَا سَبَبٌ لِلْإِثْمِ، لَوْلَا الْكَفَّارَة الْمَاحِيَةُ، فَإِنَّمَا الْكَفَّارَةُ مَنَعَتْهُ أَنْ يُوجِبَ إثْمًا (٢).
(١) وهو الباء.(٢) فمن حلف على شيء ولو كان مُباحًا فلا حرج عليه أن يحنث بشرط أن يكفر عن يمينه.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute