وَبَعْضُهُم بَعْضَ الْمُعَامَلَاتِ الرِّبَوِيَّةِ، وَبَعْضُهُم بَعْضَ عُقُودِ التَّحْلِيلِ وَالْمُتْعَةِ، وَأَمْثَالُ ذَلِك، فَقَد جَرَى ذَلِك وَأَمْثَالُهُ مِن خِيَارِ السَّلَفِ.
فَهَؤُلَاءِ الْمُتَأَوِّلُونَ الْمُجْتَهِدُونَ غَايَتُهُم أَنَّهُم مُخْطِئُونَ، وَقَد قَالَ اللهُ تَعَالَى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: ٢٨٦] وَقَد ثَبَتَ فِي "الصَّحِيحِ" (١) أَنَّ اللهَ اسْتَجَابَ هَذَا الدُّعَاءَ.
وَقَد أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ عَن دَاوُد وَسُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلام أنَّهُمَا حَكَمَا فِي الْحَرْثِ، وَخَصَّ أَحَدَهُمَا بِالْعِلْمِ وَالْحُكْمِ، مَعَ ثَنَائِهِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْعِلْمِ وَالْحُكْمِ.
وَالْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، فَإِذَا فَهِمَ أَحَدُهُم مِن الْمَسْأْلَةِ مَا لَمْ يَفْهَمْهُ الْآخَرُ لَمْ يَكُن بِذَلِك مَلُومًا وَلَا مَانِعًا لِمَا عُرِفَ مِن عِلْمِهِ وَدِينِهِ (٢)، وَإِن كَانَ ذَلِك مَعَ الْعِلْمِ بِالْحُكْمِ يَكُون إثْمًا وَظُلْمًا، وَالْإِصْرَارُ عَلَيْهِ فِسْقًا؛ بَل مَتَى علِمَ تَحْرِيمهُ ضَرُورَةً كَانَ تَحْلِيلُهُ كُفْرًا؛ فَالْبَغْيُ هُوَ مِن هَذَا الْبَابِ.
أَمَا إذَا كَانَ الْبَاغِي مُجْتَهِدًا وَمُتَأَوِّلًا، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ أَنَّهُ بَاغٍ؛ بَل اعْتَقَدَ أَنَّهُ عَلَى الْحَقِّ وَإِن كَانَ مُخْطِئًا فِي اعْتِقَادِهِ: لَمْ تَكُنْ تَسْمِيَتُهُ بَاغِيًا مُوجِبَةً لِإِثْمِهِ، فَضْلًا عَن أَنْ تُوجِبَ فِسْقَهُ.
وَاَلَّذِينَ يَقُولُونَ بِقِتَالِ الْبُغَاةِ الْمُتَأَوِّلينَ يَقُولُونَ: مَعَ الْأَمْرِ بِقِتَالِهِمْ قِتَالُنَا لَهُم لِدَفْعِ ضَرَرِ بَغْيِهِمْ لَا عُقُوبَةً لَهُمْ؛ بَل لِلْمَنْعِ مِن الْعُدْوَانِ.
وَيَقُولُونَ: إنَّهُم بَاقُونَ عَلَى الْعَدَالَةِ لَا يُفَسَّقُونَ.
وَيَقُولُونَ: هُم كَغَيْرِ الْمُكَلَّفِ، كَمَا يُمْنَعُ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَالنَّاسِي وَالْمغْمَى عَلَيْهِ وَالنَّائِمُ مِن الْعُدْوَانِ أَنْ لَا يَصْدُرَ مِنْهُمْ؛ بَل تُمْنَعُ الْبَهَائِمُ مِن الْعُدْوَانِ.
(١) مسلم (١٢٥).(٢) وعلى هذا؛ فلا ينبغي لمن علم الحق والصواب في مسألة أن يرد بعنف ويُثرب على من اجتهد وأخطأ من العلماء أو طلاب العلم فيها.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute