٢٨٠٠ - تَنَازَعُوا فِي جَوَازِ الْجَمْعِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: فَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجْمَعُ إلا بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ.
وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّهُ لَا يَجْمَعُ الْمُسَافِرُ إذَا كَانَ نَازِلًا، وَإِنَّمَا يَجْمَعُ إذَا كَانَ سَائِرًا؛ بَل عِنْد مَالِكٍ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ.
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّهُ يَجْمَعُ الْمُسَافِرُ وَإِن كَانَ نَازِلًا.
وَسَبَبُ هَذَا النِّزَاعِ مَا بَلَغَهُم مِن أَحَادِيثِ الْجَمْعِ، فَإِنَّ أَحَادِيثَ الْجَمْعِ قَلِيلَةٌ؛ فَالْجَمْعُ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَنْقُولٌ بِالتَّوَاتُرِ فَلَمْ يَتَنَازَعُوا فِيهِ.
وَأَبُو حَنِيفَةَ لَمْ يَقُلْ بِغَيْرِهِ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي فِي "الصَّحِيحِ" أَنَّهُ قَالَ: "مَا رَأَيْت رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى صَلَاةً لِغَيْرِ وَقْتِهَا إلَّا صَلَاةَ الْفَجْرِ بمزدلفة وَصَلَاةَ الْمَغْرِبِ لَيْلَةَ جَمْع" (١).
وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ: "فِي الْفَجْرِ لِغَيْرِ وَقْتِهَا" الَّتِي كَانَت عَادَتُهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِيهِ .. لَكِنْ بمزدلفة غَلَّسَ بِهَا تَغْلِيبها شَدِيدًا.
وَأَمَّا أَكْثَرُ الْأَئِمَّةِ فَبَلَغَتْهُم أَحَادِيثُ فِي الْجَمْعِ صَحِيحَةٌ؛ كَحَدِيثِ أَنَسٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَمُعَاذٍ وَكُلُّهَا مِنَ الصَّحِيحِ. [٢٤/ ٢٢ - ٢٣]
٢٨٠١ - وَأَمَّا الْجَمْعُ فَإِنَّمَا كَانَ يَجْمَعُ - صلى الله عليه وسلم - بَعْضَ الْأَوْقَاتِ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ وَكَانَ لَهُ عُذْرٌ شَرْعِيٌّ (٢)، كَمَا جَمَعَ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ، وَكَانَ يَجْمَعُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ أَحْيَانًا.
كَانَ إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَخَّرَ الظُّهْرَ إلَى الْعَصْرِ ثُمَّ صَلَّاهُمَا جَمِيعًا، وَهَذَا ثَابِتٌ فِي "الصَّحِيحِ".
(١) رواه مسلم (١٢٨٩).(٢) هذا هو الأفضل، ولكن ليس على سبيل الوجوب، والشيخ لم يمنع الجمع للمسافر النازل.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute