شَهَادَتُهُ، كَمَا يُقَالُ: شُهُودُ الْقَاضِي وَشُهُودُ السُّلْطَانِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِن الَّذِينَ تُقْبَلُ شَهَادَتَهُمْ. [١٤/ ١٩٩]
١٦٢٨ - فِي حَدِيتِ أَبِي يَحْيَى الْقَتَّاتِ عَن مُجَاهِدِ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: "مَن عَشِقَ فَعَفَّ وَكَتَمَ وَصَبَرَ ثُمَّ مَاتَ فَهُوَ شَهِيدٌ" (١).
وَأَبُو يَحْيَى فِي حَدِيثِهِ نَظَرٌ؛ لَكِنَّ الْمَعْنَى الذِي ذكِرَ فِيهِ دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ؛ فَإِنَّ اللهَ أَمَرَهُ بِالتَّقْوَى وَالصَّبْرِ، فَمِن التَّقْوَى أَنْ يَعِفَّ عَن كُلِّ مَا حَزمَ اللهُ مِن نَظَرٍ بِعَيْنٍ، وَمِن لَفْظٍ بِلِسَانٍ، وَمِن حَرَكَةٍ بِيَدٍ وَرِجْلٍ.
وَالصَّبْرُ أَنْ يَصْبِرَ عَن شَكْوَى بِهِ إلَى غَيْرِ اللهِ، فَإِنَّ هَذَا هُوَ الصَّبْرُ الْجَمِيلُ. وَأَمَّا الْكِتْمَانُ فَيُرَادُ بِهِ شَيْئَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكْتُمَ بَثَّهُ وَأَلَمَهُ وَلَا يَشْكُوَ إلَى غَيْرِ اللهِ، فَمَتَى شَكَا إلَى غَيْرِ اللهِ نَقَصَ صَبْرُهُ، وَهَذَا أَعْلَى الكتمانين؛ لَكِنَّ هَذَا لَا يَصْبِرُ عَلَيْهِ كُلُّ أَحَدٍ؛ بَل كَثِيرٌ مِن النَّاسِ يَشْكُو مَا بِهِ، وَهَذَا عَلَى وَجْهَيْن (٢):
أ - فَإِنْ شَكَا ذَلِكَ إلَى طَبِيبٍ يَعْرِفُ طِبَّ النُّفُوسِ لِيُعَالِجَ نَفْسَهُ بِعِلَاجِ الْإِيمَانِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَفْتي، وَهَذَا حَسَنٌ.
ب- وَإِن شَكَا إلَى مَن يُعِينُهُ عَلَى الْمُحَرَّمِ فَهَذَا حَرَامٌ.
ج- وَإِن شَكَا إلَى غَيْرِهِ لِمَا فِي الشَّكْوَى مِن الرَّاحَةِ، كَمَا أنَّ الْمُصَابَ يَشْتَكِي مُصِيبَتَهُ إلَى النَّاسِ مِن غَيْرِ أَنْ يَقْصِدَ تَعَلُّمَ مَا يَنْفَعُهُ، وَلَا الِاسْتِعَانَةَ عَلَى مَعْصِيَةٍ، فَهَذَا يَنْقُصُ صَبْرُهُ؛ لَكِنْ لَا يَأْثَمُ مُطْلَقًا إلا إذَا اقْتَرَنَ بِهِ مَا يحرُمُ؛ كَالْمُصَابِ الَّذِي يَتَسَخَّطُ (٣).
والثَّانِي: أَنْ يَكْتُمَ ذَلِكَ فَلَا يَتَحَدَّثُ بِهِ مَعَ الناسِ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِن إظْهَارِ السُّوءِ وَالْفَاحِشَةِ، فَإِنَّ النُّفُوسَ إذَا سَمِعَتْ مِثْل هَذَا تَحَرَّكْت وَتَشَهَّتْ وَتَمَنَّتْ.
(١) قال الألباني في السلسلة الضعيفة (٤٠٩): موضوع.(٢) بل ثلاثة.(٣) وكمن يشكي إلى صديقه أو قريبه ما يلقاه من التعب في العمل، أو سوء المعاملة من أحد.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute