ويقال إنّ الزاهد إذا انحط إلى رخص الشرع فى أخذ الزيادة من الدنيا مما فوق الكفاية- وإن كان من وجه حلال- تؤدى فتنته إلى من يخرج به من المبتدئين، فبجملة ما أبدى من الرغبة فى الدنيا، وترك التقلل يؤدى إلى الانهماك فى أودية الغفلة والأشغال الدنيوية.
والعابد إذا جنح عن الأشقّ وترك الأولى «١» تعدّى ذلك إلى من كان ينشط فى المجاهدة فيستوطنون الكسل، ثم يحملهم الفراغ وترك المجاهدة على متابعة الشهوات فيصيرون كما قيل:
إن الشباب والفراغ والجدة ... مفسدة للمرء أي مفسدة
وهكذا يكون نصيبهم من الفتنة.
والعارف إذا رجع إلى ما فيه حظ له، نظر إليه المريد، فتتداخله فترة فيما هو به من صدق المنازلة، ويكون ذلك نصيبه من فتنة العارف.
وفى الجملة إذا غفل الملك، وتشاغل عن سياسة رعيته تعطّل الجند والرعية، وعظم فيهم الخلل والبليّة، وفى معناه أنشدوا:
يذكرهم ما كانوا فيه من القلّة والذّلة وصنوف ( ... )«٢» ثم ما نقلهم إليه من الإمكان والبسطة، ووجوه الأمان والحيطة، وقرّبهم إلى إقامة الشكر على جزيل تلك القسم،
(١) وردت (الأولاد) وهى خطأ فى النسخ، والجنوح عن الأشق وترك الأولى تعبيران مألوفان عند ما يتحدث القشيري عن إيثار الصوفي للرخص. (٢) مشتبهة وربما كانت (الحطّة) أي نقصان المنزلة، فإنها قريبة للسياق، ومنسجمة مع الموسيقى اللفظية.