كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مبعوثا إلى الجنّ كما كان مبعوثا إلى الإنس. وإن قوما أتوه ليلة الجن «١» وآمنوا به، ورجعوا إلى قومهم فأخبروهم، وآمن قوم منهم فاليوم في الجن مؤمنون، وفيهم كافرون.
«فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا ... » الصيحة على الباب وفوق البساط غيبة ولهذا لما حضر الجنّ بساط خدمته- صلى الله عليه وسلم- تواصوا فيما بينهم بحفظ الأدب، وقالوا لما حضروا بساطه:«أَنْصِتُوا» ، فأهل الحضور صفتهم الذبول والسكون، والهيبة والوقار. والثوران أو الانزعاج يدل على غيبة أو قلّة تيقّظ أو نقصان اطلاع «٢» . «فَلَمَّا قُضِيَ..» يعنى الوحى «وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ» وأخبروهم بما رأوه وسمعوه.
(١) حدث ابن مسعود عن هذه الليلة، وأبان كيف سمع- وقد كان وحده بصحبة النبي وهو يقرأ القرآن- لغطا وغمغمة، وشاهد أمثال النسور تهوى وتمشى في رفرفها ... إلخ. (٢) هنا نجد القشيري ينصح بالكتمان ولا يرى الإفصاح، وقد سئل الجنيد في ذلك فأجاب: «وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ (أنظر بحث هذه القضية في كتابنا «نشأة التصوف الإسلامى» ط المعارف ص ٢٢٩) .