من كمال شقاوته أنه جرى على لسانه «١» ، وتعلّقت إرادته بسؤال إنظاره، فازداد إلى القيامة في سبب عقوبته، فأنظره الله، وأجابه، لأنه بلسانه سأل تمام شقاوته.
(١) فى هذه الإشارة دقة تحتاج إلى تأمل، فقول القشيري «جرى على لسانه» تفيد أن مأساة إبليس ترجع إلى مشيئة عليا، وإن كان ظاهر اللفظ أنه بلسانه اختار طريقه، وبإرادته سعى إلى إنظاره. وهكذا يغمز القشيري بمن يحاولون نسبة الحرية للإنسان- مع أن الحرية وبال ونكال. ويذكّرنا هذا الموقف بقولة ابن عربى فى (شجرة الكون) عند شرح «كن فيكون» أن فى «كن» كل شىء فى الكاف كمال الدين والكفر، وفي النون النعمة والنقمة ... فالله خالق كل شىء حين خاطب الكون: «كن» (٢) فى هذه الإشارة لفتة إلى مقصد بعيد: أن الوقوع في الذنب أمر قبيح ولكن الإصرار على الذنب أقبح. وهذا حث للعصاة على الإقلاع عن المعاصي، وعدم اليأس من رحمة الله. وتطالعنا سماحة القشيري في هذا الخصوص فى مواضع مختلفة من هذا الكتاب، وكذلك أنظر باب «التوبة» فى الرسالة.