الآية أخفى تعيين قدم موسى على الظنون بهذا الخطاب حيث قال:«مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ» ، ثم قال:«فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ» ثم قال «مِنَ الشَّجَرَةِ» .
وأخلق بأن تكون تلك البقعة مباركة، فعندها سمع خطاب مولاه بلا واسطة وأعزّ الأماكن في العالم مشهد الأحباب:
وإنى لأهوى الدار ما يستعزنى ... لها الود إلا أنها من دياركا
ويقال: كم قدم وطئت لك البقعة، ولكن لم يسمع أصحابها بها شيئا!. وكم ليلة جنّت تلك البقعة ولم يظهر من تلك النار فيها شعلة!.
ويقال: شتّان بين شجرة وشجرة شجرة آدم عندها ظهور محنته وفتنته، وشجرة موسى وعندها افتتاح نبوّته ورسالته!.
ويقال: لم يأت بالتفصيل نوع تلك الشجرة «١» ، ولا يدرى ما الذي كانت تثمره، بل هي شجرة الوصلة وثمرتها القربة، وأصلها في أرض المحبة وفرعها باسق في سماء الصفوة، وأوراقها الزلفة، وأزهارها تنفتق عن نسيم الرّوح والبهجة:
فلمّا سمع «٢» موسى تغيّر عليه الحال ففى القصة: أنه غشى عليه، وأرسل الله إليه الملائكة ليروّحوه بمراوح الأنس، وهذا كان في ابتداء الأمر، والمبتدئ مرفوق به. وفي المرة الأخرى خرّ موسى صعقا، وكان يفيق والملائكة تقول له: يا ابن الحيض. أمثلك من يسأل الرؤية؟!
(١) قيل هي شجرة العليق وقيل العوسج والعوسج إذا عظم يقال له الغرقد (القرطبي) . (٢) معروف أن السماع عند الصوفية يصحبه- وخصوصا لدى المبتدئين- تأثيرات عضوية ونفسية حادة