ثم فوضوا أمورهم إلى الله فقالوا:«رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ» فتداركهم الحقّ- سبحانه- عند ذلك بجميل العصمة وحسن الكفاية «١» قوله جل ذكره:
تواصوا فيما بينهم بتكذيب نبيّهم، وأشار بعضهم باستشعار وقوع الفتنة بمتابعته، وكانوا مخطئين فى حكمهم، مبطلين فى ظنهم، فعلم أنّ كل نصيحة لا يجب قبولها، وكل إشارة «٢» لا يحسن اتباعها.
قوله تعالى: الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا كانت لهم غلبتهم فى وقتهم، ولكن لما اندرست أيامهم سقط صيتهم، و (خمد)«٣» ذكرهم، وانقشع سحاب من توهّم أنّ منهم شيئا.
الحقّ غالب فى كل أمر، والباطل زاهق بكل وصف، وإذا كانت العزّة نعت من هو أزلىّ الوجود، وكان الجلال حقّ من هو الملك فأى أثر للكثرة مع القدرة؟ وأي خطر للعلل مع الأزل؟ ولقد أنشدوا فى قريب من هذا:
(١) لاحظ من هذه الفقرة ترتيب السلوك: صحة العزم ثم الشكر ثم التبري عن الحول والقوة ثم التوكل ثم التفويض. (٢) إشارة هنا معناها مشورة أي نصيحة. (٣) وردت (خمر) بالراء، وقد صوبناها (خمد) ذكرهم وليس بمستبعد أن تكون (خمل) ذكرهم فحمود الذكر وخموله بمعنى متقارب.