كما أنّ الأرض تحمل كلّ شىء فكذلك العارف يتحمّل كلّ أحد.
ومن استثقل أحدا أو تبرّم برؤية أحد فلغيبته عن الحقيقة، ولمطالعته الخلق بعين التفرقة- وأهل الحقائق لا يتصفون بهذه الصفة.
ومن الآيات التي في الأرض أنها يلقى عليها كلّ قذارة وقمامة- ومع ذلك تنبت كلّ زهر ونور.. كذلك العارف يتشرب كلّ ما يسقى من الجفاء، ولا يترشح إلّا بكل خلق علىّ وشيمة زكيّة «١» .
ومن الآيات التي في الأرض (أنّ ما كان منها سبخا يترك ولا يعمّر لأنه لا يحتمل العمارة- كذلك الذي لا إيمان له بهذه الطريقة يهمل، فمقابلته بهذه الصفة)«٢» كإلقاء البذر في الأرض السبخة.
«وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ» : أي وفي أنفسكم أيضا آيات، فمنها وقاحتها في همتها «٣» ، ووقاحتها في صفتها، ومنها دعاواها العريضة فيما ترى منها وبها، ومنها أحوالها المريضة حين تزعم أنّ ذرّة أو ( ... )«٤» بها أو منها.
«وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ» : أي قسمة أرزاقكم في السماء، فالملائكة الموكّلون بالأرزاق ينزلون من السماء.
ويقال: السماء هاهنا المطر، فبالمطر ينبت الحبّ والمرعى.
(١) يقول الجنيد: «الصوفى كالأرض يطرح عليها كل قبيح ولا يخرج منها إلا كل مليح» ، وقال أيضا: «إنه كالأرض يطؤها البر والفاجر» (الرسالة ص ١٣٩) . (٢) ما بين القوسين موجود في م وساقط في ص. (٣) هكذا في م وهي في ض (صمتها) ويبدو أن الهاء اشتبهت على الناسخ. (٤) مشتبهة في النسختين. [.....]