أي لو كان للجبل عقل وصلاح فكر وسرّ، وأنزلنا عليه هذا القرآن لخضع وخشع.
ويجوز أن يكون على جهة ضرب المثل كما قال:«تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ»«١» ويدل عليه أيضا قوله:
«وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ» : ليعقلوا ويهتدوا، أي بذلك أمرناهم، والمقصود بيان قسوة قلوبهم عند سماع القرآن.
ويقال: ليس هذا الخطاب على وجه العتاب معهم، بل هو على سبيل المدح وبيان تخصيصه إيّاهم بالقوة فقال:«لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ» لم يطق ولخشع- وهؤلاء خصصتهم بهذه القوة حتى أطاقوا سماع خطابى «٢» .
«الْغَيْبِ» : ما لا يعرف بالضرورة، ولا يعرف بالقياس من المعلومات «٣» . ويقال: هو ما استأثر الحقّ بعلمه، ولم يجعل لأحد سبيلا إليه.
«وَالشَّهادَةِ» : ما يعرفه الخلق.
وفي الجملة: لا يعزب عن علمه معلوم.
(١) آية ٩٠ سورة مريم. (٢) يتصل هذا بموضوع السماع عند الصوفية، وقد عقد السراج له فصلا ممتعا فى «اللمع» ، ومن أقواله المتصلة بهذه النقطة الى أثارها القشيري يقول السراج: ألا ترى أحدهم يكون ساكنا فيتحرك ويظهر منه الزفير والشهيق، وقد يكون من هو أقوى منه ساكنا في وجده لا يظهر منه شىء من ذلك (اللمع ص ٣٧٥) ويجيب الجنيد حين سئل عن سكونه وقلة اضطرابه عند السماع: وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب) . (٣) أي لا يعرف بالضرورة العقلية ولا بالقياس العقلي لأن العقل يستمد أحكامه من المحسات، والغيب بعيد عن المحسات، فلا سبيل للخلق إليه بوسائلهم المحدودة وحدها.