دليلنا في المسألة، وهو: أن المرتهن إنما قبض الرهن على وجه الاستيفاء، ولو قبضه على حقيقة الاستيفاء كان مضموناً عليه، فكذلك إذا قبضه على وجه الاستيفاء، كما نقول: بسوم البيع؛ لأن المقبوض بسبب البيع يكون مضموناً عليه، كالمقبوض على الحقيقة (١).
احتج الشافعي في المسألة: بدليل ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه "لا يغلق الرهن من راهنه، له غنمه وعليه غرمه"(٢)
(١) استدل الأحناف من النقل بقوله - صلى الله عليه وسلم - للمرتهن بعد ما نفق فرس الرهن عنده -: "ذهب حقك"، قال الكاساني: "وهذا نص في الباب لا يحتمل التأويل". أخرجه أبو داود في مراسيله، وابن أبي شيبة في مصنفه، وعبد الحق في أحكامه، وقال: "هو مرسل ضعيف". وقال ابن القطان في كتابه: "مصعب بن ثابت: ضعيف كثير الغلط وإن كان صدوقاً". كما ذكره الزيلعي في نصب الراية ٤/ ٣٢١. وانظر ما أورده عبد الرازي في مصنفه من الآثار ٨/ ٢٣٨، وما بعدها. واستدلوا أيضاً بإجماع الصحابة، كما قال المرغيناني: "وإجماع الصحابة والتابعين رضي الله عنهم من أن الرهن مضمون مع اختلافهم في كيفيته". انظر: المبسوط ٢١/ ٦٥؛ البناية ٩/ ٦٥٣ - ٦٥٥. (٢) هذا الحديث رواه الشافعي في الأم عن ابن المسيب مرسلًا، وعن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: "لا يغلق الرهن الرهن من صاحبه الذي رهنه، له غنمه وعليه غرمه"، ثم قال: "وبهذا نأخذ، وفيه دليل على أن جميع ما كان رهنًا غير مضمون على المرتهن". واختلف المحدثون في إرساله واتصاله: أخرجه الدارقطني متصلاً وقال: "هذا إسناد حسن متصل". وأخرجه ابن حبان في صحيحه، والحاكم في المستدرك وقال: "هذا حديث صحيح أعلى الإِسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه". أخرجه أبو داود في مراسيله، وقال: "قوله: "له غنمة وعليه غرمه" من كلام سعيد بن المسيب، نقله عنه الزهري، وقال: هذا هو الصحيح". وكذلك رواه مرسلاً البزار، والدارقطني، وابن القطان، وعبد الرزاق، وابن أبي شيبة في مصنفهما. انظر: الأم ٣/ ١٦٧، ١٦٨؛ سنن الدارقطني ٣/ ٣٢؛ المستدرك ٢/ ٥١؛ السنن الكبرى ٦/ ٤٢؛ مصنف عبد الرزاق ٨/ ٢٣٧. انظر ما قيل في الحديث بالتفصيل: نصب الراية ٩/ ٣١٤ - ٣٢١؛ التلخيص الحبير ٣/ ٣٦.