الحُجْرَةِ وَقْفْتُهُ وقُلْتُ لَهُ: إِيَّاكَ أَنْ تَبْرَحَ مِنْ مَكَانِكَ حَتَّى أَعُوْدَ فأُدْخِلَكَ، وإِذَا سَلَّمْتَ فَلْيَكُنْ بخُشُوع وخُضُوع، فَدَخَلْتُ لأسْتَأْذِنَ لَهُ، فالتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ وَاقِفٌ إِلَى جَانِبِي، قَدْ حَوَّلَ وَجْهَهُ نَحْوَ دَارِ بُخْتِيَارٍ، وقَرَأَ: (١) ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (١٠٢)﴾ ثُمَّ حَوَّلَ وَجْهَهُ نَحْوَ المَلِكِ، وقَرَأَ: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ (٢) وأَخَذَ في وَعْظِهِ فَأَتَى بالعَجَبِ، فَدَمَعَتْ عَيْنُ المَلِكِ، وَمَا رَأَيْتُ ذلِكَ مِنْهُ قَطُّ، وتَرَكَ كُمَّهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَتَرَاجَعَ أَبُو الحُسَيْنِ فَخَرَجَ، ومَضَى إلى حُجْرَتِي، فَقَالَ المَلِكُ: امْضِ إِلَى بَيْتِ المَالِ، وخُذْ ثَلاثَةَ الافِ دِرْهَمٍ، وإِلَى خَزَانَةِ الكِسْوَةِ وخُذْ مِنْهَا عَشَرَةَ أَثْوَابٍ، وادْفَعْ الجَمِيع إِلَيْهِ، فَإِنْ امَتَنَعَ فَقُلْ: فَرِّقْهَا فِي فُقرَاءِ أَصْحَابِكَ، فإِنْ قَبْلَهَا فَجِئْنِي بِرَأْسِهِ، فاشْتَدَّ جَزَعِيْ، وخَشِيْتُ أَنْ يَكُوْنَ هَلاكُهُ عَلَى يَدِي، فَفَعَلْتُ، وجِئْتُهُ بِمَا أَمَرَ، وقُلْتُ لَهُ: قَالَ لَكَ: استَعِنْ بِهذِهِ الدَّرَاهِمَ في نَفَقتِكَ، والْبَسْ هَذِهِ الثِّيَابَ، فَأَبَى، فَقُلْتُ: فَرِّقْهَا فِي أَصْحَابِكَ، فَقَالَ: أَصْحَاُبهُ إِلَى هَذَا أَفْقَرُ مِنْ أَصْحَابِي، فَعُدْتُ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: الحمدُ لله الَّذي سَلَّمْنَا مِنْهُ، وسَلَّمَهُ مِنَّا، أَوْ كَمَا قَالَ.
فَلْنَذْكُرِ الآنَ شَذْرَةً مِنْ كَلامِهِ:
أَلا مُصَفٍّ لإخْلاصِهِ مِنْ شَخْصِيَّتِهِ؟ أَلا مُصَفٍّ (٣) لِعِقْدِهِ مِنْ قَصْدِهِ؟
(١) سورة هود.(٢) سورة يونس، الآية: ١٤.(٣) في (هـ): "مُصَفّى".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute