ثم نزل ابن غراب ومعه الأمير ألي باي الخازندار في يوم الأحد سابعه، وأخذا من ذخيرة بدار محمود خمسين ألف دينار. وفي يوم الخميس حادي عشره، صرف محمود عن الأستادّارية، واستقرّ عوضه الأمير سيف الدّين قطلوبك العلائي أستادّار الأمير الكبير أيتمش، وقرّر سعد الدّين ابن غراب ناظر الدّيوان المفرد، فاجتمع مع ابن الطبلاوي على عداوة محمود والسّعي في إهلاكه، وسلّم ابن محمود إلى ابن الطبلاوي في تاسع عشر ربيع الأوّل ليستخلص منه مائة ألف دينار.
ونزل الطواشي صندل المنجكي والطواشي شاهين الحسني في ثالث عشرينه ومعهما ابن الطبلاوي، فأخذا من خربة خلف مدرسة محمود زيرين كبيرين وخمسة أزيار صغارا وجد فيها ألف ألف درهم فضّة، فحملت إلى القلعة، ووجد أيضا بهذه الخربة جرّتان: في إحداهما ستة آلاف دينار، وفي الأخرى أربعة آلاف درهم فضّة وخمس مائة درهم، وقبض على مباشري محمود ومباشري ولده، وعوقب محمود.
ثم أوقعت الحوطة على موجود محمود في يوم الخميس سابع جمادى الأولى، ورسم عليه ابن الطبلاوي في داره، وأخذ مماليكه وأتباعه، ولم يدع عنده غير ثلاثة مماليك صغار، وظهرت أموال محمود شيئا بعد شيء. ثم سلّم إلى الأمير فرج شادّ الدّواوين في خامس جمادى الآخرة، فنقله إلى داره وعاقبه وعصره في ليلته ثم نقل في شعبان إلى دار ابن الطبلاوي، فضربه وسعطه وعصره، فلم يعترف بشيء.
وحكي عنه أنّه قال: لو عرفت أنّي أعاقب ما اعترفت بشيء من المال. وظهر منه في هذه المحنة ثبات وجلد وصبر، مع قوّة نفس وعدم خضوع، حتى إنّه كان يسبّ ابن الطبلاوي إذا دخل إليه، ولا يرفع له قدرا. ثم إنّ السّلطان استدعاه إلى ما بين يديه يوم السبت أوّل صفر سنة تسع وتسعين، وحضر سعد الدّين بن غراب، فشافهه بكلّ سوء، ورافعه في وجهه حتى استغضب السّلطان على محمود، وأمر بمعاقبته حتى يموت. فأنزل إلى بيت الأمير حسام الدّين حسين، ابن أخت الغرس (a) شادّ الدّواوين - وكان أستادّار محمود - فلم يزل عنده في العقوبة. إلى أن نقل من داره إلى خزانة/ شمائل في ليلة الجمعة ثالث جمادى الأولى، وهو مريض، فمات بها في ليلة الأحد تاسع رجب سنة تسع وتسعين وسبع مائة، ودفن من الغد بمدرسته، وقد أناف على الستين سنة.