بأنه لو أقر بصحة الشهادتين، ولم يؤمن بهما لم ينفعه، فكم من شخص يقر بأن الإسلام دين الحق، ولا ينفعه ذلك، وأنتم تقولون: إذا صلى، ولم يلتزم بأحكام الإسلام، فإنه يعامل معاملة المرتد، فهو بمنزلة من أقر بالشهادتين، ثم ارتد.
جاء في شرح منتهى الإرادات:«ولو أراد البقاء على الكفر، وقال: صليت مستهزئًا ونحوه لم يقبل منه، كما لو كان أتى بالشهادتين»(١).
فالإيمان الذي تنطوي عليه القلوب مما ينفرد به علام الغيوب، وقد جعل الله لفظ الشهادتين علمًا عليه، فقول: لا إله إلا الله فيه اعتراف بالألوهية والتوحيد، والشهادة للنبي ﷺ -بالرسالة يتضمن تصديقه والتزام جميع ما جاء به النبي ﷺ، ولا يقوم أي فعل مقام هاتين الشهادتين.
نعم لو أننا رأيناه يصلي، ثم مات، حكمنا بإسلامه تقديمًا للظاهر على الأصل؛ فالظاهر أنه لا يصلي حتى يسلم قبل ذلك، وليس لمجرد الصلاة، أما إذا كشف عن نيته، وقال: إنه صلى عبثًا أو خوفًا فكيف نقدم دلالة الفعل المحتملة على قوله الصريح.
قال ابن مفلح:«ولا يقبل منه دعوى تخالف الإسلام … كالشهادتين، ويتوجه احتمال إلا مع قرينة، ولعله مرادهم»(٢).
وهذا التوجيه أنها تقبل دعواه إذا دلت عليه القرائن، رغم أنه ساق ذلك من باب الرجاء، إلا أنه يصعب الوقوف على مثل هذه القرائن، فنية الفاعل لا تعلم إلا من جهته، فإذا قال: صليت خوفًا، أو استهزاءً، فالنية محلها القلب، ولا يطلع عليها إلا الله ﷾، وقد كشف صاحبها عنها، فإن قامت قرائن فذاك، وإلا كان التصريح من صاحبها أقوى من القرينة، والله أعلم.
* دليل من قال: لا يحكم بإسلامه مطلقًا:
الدليل الأول:
قال تعالى: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ
(١) شرح منتهى الإرادات (١/ ١٢٦). (٢) الفروع (١/ ٢٨٨).