(ث-٦٤٣) وروى ابن جرير، قال: حدثنا ابن المثنى، حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن أبي عروبة، قال قتادة،
قال أنس في قوله: ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ﴾، كانوا يتنفلون فيما بين المغرب والعشاء، وكذلك تتجافى جنوبهم.
قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة،
عن أنس في قوله: تتجافى جنوبهم عن المضاجع. قال: يصلون بين هاتين الصلاتين.
ورواه ابن جرير الطبري حدثني علي بن سعيد الكندي، قال: حدثنا حفص بن غياث، عن سعيد، عن قتادة،
عن أنس ﵁، قال: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ [السجدة: ١٦]، قال: ما بين المغرب والعشاء (١).
[صحيح] (٢).
وإذا كان المقصود به سجود الصلاة، فهل السجود في الصلاة سببه التذكير بالآيات، أو أن سجود الصلاة واجب للصلاة، فالصلاة شرعت في هيئة معينة، من قيام وركوع وسجود وجلوس، وليس أحدها سببًا للآخر، بل كل واحد منها ركن مقصود بنفسه، فلو كان السجود في الصلاة سببه التذكير بالآيات لسقط السجود إذا عجز عن الآيات، ولما فصل بينه وبين سببه بالركوع والرفع منه، ولما وجب تكرار السجود، ولهذا سجود التلاوة لا يكرر.
الوجه الثالث:
إن قصد بالتذكير بالآيات سجود التلاوة، فلا يجوز السجود إلا بالتذكير بآيات مخصوصة، ولو سجد في غيرها بطلت صلاته، مع أن ظاهر الآية يشمل التذكير بجميع الآيات؛ لأنها جمع مضاف، فيعم جميع الآيات، كقوله تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ﴾، وبقوله تعالى لنوح: ﴿وَأَهْلَكَ﴾ فحمله نوح على العموم.
ولا مانع أن تكون الآيات في الآية من العام الذي أريد به الخصوص، ولا يستفاد من الآية وجوب سجود التلاوة؛ لما بينا في دلالة الحصر، فقد يراد به نفي الإيمان بالكلية، وقد يراد به نفي الكمال، وإذا حمل على سجود التلاوة تعين الحمل على نفي الكمال؛ لأن تارك سجود التلاوة لا ينفى عنه الإيمان بالكلية، والله أعلم.
الوجه الرابع:
ما المانع أن يكون المقصود بالسجود الخضوع، وبالتسبيح تنزيه الله وتعظيمه،
(١) تفسير الطبري (٢٠/ ١٧٨.
(٢) صحيح عن أنس، والقطان وحفص بن غياث سمعا من سعيد قبل اختلاطه.
وقد رواه ابن جرير الطبري من طريق ابن أبي عدي (٢٠/ ١٧٩)،
وعن ابن وكيع، حدثنا محمد بن بشر (٢٠/ ١٧٩)، روياه عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ [السجدة: ١٦]، قال: يتطوعون ما بين المغرب والعشاء.
ومحمد بن بشر سمع من سعيد قبل تغيره إلا أن الراوي عنه ابن وكيع فيه كلام، لكنه صالح في المتابعات. وأما ابن أبي عدي فسمع منه بعد تغيره.
فهذه طرق أربعة عن سعيد بن أبي عروبة، تدل على صحة أثر أنس ﵁ في سبب النزول، والله أعلم.