ذلك علينا؛ فكيف يُستَدَلُّ بوجوبِ أحدهما على وجوبِ الآخر؟
فالمراد بالمقارنة: المقارنة بين امتثال ابن آدم لربه بالخضوع له بالسجود، والتي تشمل الواجب والمستحب، وبين معصية إبليس لربه برفض السجود والذي أوجب له النار، ولا يلزم منه أن تكون الموافقة في حكم الأمر الموجه لكل منهما.
الوجه الثالث:
دفعه النووي بأن هذا من كلام إبليس، فلا حجة فيه، قال النووي: فإن قالوا: حكاها النبي ﷺ ولم ينكرها. قلنا: قد حكي غيرها من أقوال الكفار ولم يبطلها حال الحكاية، وهي باطلة (١).
وهذا الوجه ضعيف، والله أعلم.
الدليل الخامس:
ذكر الحنفية بأن آيات السجود على ثلاثة أقسام:
قسم فيه الأمر الصريح.
وقسم تضمن استنكاف الكفرة حيث أمروا به.
وقسم فيه حكاية امتثال الأنبياء به.
وكل من امتثال الأمر، والاقتداء بالأنبياء، ومخالفة الكفرة واجب (٢).
• ويناقش:
أما دلالة الأمر على الوجوب فقد سبق الجواب عنها، وأن عمل الصحابة صارف للأمر من الوجوب إلى الاستحباب، وسيأتي ذكر ذلك عنهم.
وأما الاقتداء بالأنبياء، فيشمل الواجب والمستحب، وفعل الأنبياء لا يدل على الوجوب، بل الأصل فيه الاستحباب.
وأما استنكاف الكفرة، فهو مقيد حيث أمروا به، ولم يؤمروا بسجود التلاوة، وإنما أمروا بالصلاة ومنه السجود، ولذلك لا يستدل باستنكاف الكفرة على وجوب سجود
(١) شرح النووي على صحيح مسلم (٢/ ٧٢). (٢) انظر: فتح القدير (٢/ ١٣)، البحر الرائق (٢/ ١٢٩)، حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح (ص: ٤٧٩).