حَدِيْثًا (١) قطُّ، قَالَ أَبُو عَبْد الله: لأنَّه كَانَ ضَرِيْرًا حَافِظًا مُتْقِنًا أَمْيِنًا (٢)، وكان عَنْدَه ستَّةَ آلافِ (٣) حَدِيْثَ عن زَيْد بن زُرَيْعٍ. ومَاتَ البَوْشَنْجِيُّ في جَمَادى الأوْلَى سنة تسعين ومائتين يوم النَّيْرُوز (٤). وَقَالَ البَوْشَنْجِيُّ -وذُكرَ أَحْمَدُ ابنُ حَنْبَلٍ عنْدَه- فَقَالَ: هو عِنْدِي أَفْضَلُ وَأَفْقَهُ (٥) من سُفْيَان الثَّوْرِيِّ. وذلِكَ أَنَّ سُفْيَانَ لم يُمْتَحِنْ في الشِّدَّةِ والبَلْوَى بمِثْلِ مَا امْتُحَن بِهِ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، ولا عِلْمُ سُفْيَان ومن تَقَدَّم من فُقَهَاء الأمْصَارِ كعِلْمِ أَحْمَدَ؛ لأنَّه كَانَ أَجْمَعَ للعِلْمِ، وأبْصَرَ بِمُتْقِنِهِم وغَالِطِهِمْ، وصَدُوْقِهِم وكَذُوْبِهِم. ولَقَدْ بَلَغَني عن بِشْرِ بنِ الحَارثِ أنَّه قَالَ: قَامَ أَحْمَدُ مَقَام الأنْبِيَاء، وأَحْمَدُ عنْدَنَا امتُحِنَ بالسَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ، وتَدَاوَلَهُ أَرْبَعَةُ خُلَفَاء، بَعْضُهُم بالضَّرَّاءِ وبَعْضُهُمْ بالسَّرَّاء. فَكَانَ فِيْهَا مُسْتَعْصِمًا باللهِ ﷿، تَدَاوَلَهُ المَأمُوْنُ والمُعْتَصِمُ والوَاثِقُ، بعضُهم بالضَّرْبِ والحَبْسِ، وبعضُهُم بالإخَافَةِ والتَّرْهِيْبِ، فَمَا كَانَ في هَذَا الحَالِ إلَّا سَلِيْمَ الدِّيْنِ، غيرَ تَارِك لَهُ مِنْ أَجْلِ ضَرْبٍ ولا حَبْسٍ، ثُمَّ امْتُحِنَ أَيَّامَ المُتَوَكِّل بالتَّكْرِيْم والتَّعْظِيْم، وبَسْطِ الدُّنْيَا عَلَيْهِ، وإِفَاضَتِهَا عِنْدَهُ، فَمَا رَكَنَ إِلَيْهَا ولا انْتَقَلَ مِنْ حَالِهِ الأُوْلَى رَغْبَةً في الدُّنْيَا، ولا رَغْبَة في الذِّكْرِ، فهذِهِ الحَالاتُ لم يُمْتَحَنْ بمثْلِهَا سُفْيَانُ، وَلَقَدْ حُكِيَ عن المُتَوَكِّل أَنَّه
(١) في (ط): "حدثنا".(٢) ساقط من (ب).(٣) في (ب): "ألف".(٤) من أعياد الفرس المشهور.(٥) في (ب).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute