إِلَيْهِ يَومَ الاثْنَيْنِ فَلَمْ أَرَ عِنْدَ قَبْرِهِ عُشْرَ الَّذي رَأَيْتُهُ عنْدَ قَبْرِ مَعْرُوْفٍ ولَقِيْتُ ذلِكَ الرَّجُلُ بِعَيْنِهِ، فَعَاوَدْتُهُ بِسَبِبِ الزِّيَارَةِ، فَقَالَ: إِنَّ قَبْرِ أَحْمدَ بَعِيْدٌ، ولَيْسَ يَنْشَطُ إِلَيْهِ كُلُّ إِنْسَانٍ، فَكَأَنَّ قَلْبِي سَكَنَ إِلَى ذلِكَ مِنْ كَلَامِهِ، ورَجَعْتُ سَنَةَ إِحْدَى وأَرْبَعِيْنَ وثَلَاثِمائَةَ إِلى عَبَّادَانَ، فَبَيْنَمَا أَنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ قَائِمٌ في وِرْدِي لأقْضِيْهِ، إِذْ حَمَلَتْنِي عَيْنَايَ فنُمْتُ وأَنَا جَالِسٌ، فَرَأَيْتُ رَجُلًا جَمِيْلًا عَلَيْهِ ثِيَابُ بَيَاضٍ (١)، وحولهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الشُّيُوخ يُعَظِّمُونَهُ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: هَذَا أَبُو عَبْدِ الله أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، وأَرَدْتُ أَنْ أَسْألهُ عَن زِيَارَةِ قَبْرِهِ وقَبْرِ مَعْرُوفٍ، فَقَالَ لِي: يَا فُلَانٌ، كأَنِّي بِكَ تُرِيْدُ أَنْ تَسْأَلِنِي عَنْ زِيَارَةِ قَبْرِيْ وقَبْرِ مَعْرُوْفٍ؟ فَقُلْتُ: قَدْ كَانَ ذلِكَ يَا أَبَا عَبْدِ الله. فَقَالَ لِي: إِنَّ أَخِي مَعْرُوْفًا ﵀ -وَقَدْ فَعَلَ- (٢) كَانَ أَشدَّ النَّاسِ بُغْضًا لليَهُوْدِ -عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ- وكانَ قَدْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ أَنْ يُصَلِّي في كلِّ يَوْمِ سَبْتٍ مائةَ رَكْعَةٍ يَقْرَأ في كلِّ رَكْعَةٍ عَشْرُ مَرَّاتٍ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١)﴾ إلى أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اليَهُودَ قَدْ انْصَرفُوا من كَنَائِسِهم، غَيْرَةً للّهِ ﷿ وتَعْظِيْمًا وَتَنْزِيْهًا، قَالِ: فلذلِكَ نشر الله له هذَا العلم الَّذي رَأَيْت كلَّ سِبْتٍ. ثُمَّ قَالَ: يا فُلَان، تَعْرِفْهُ؟ فَقُلْتُ: لا والله. قَالَ: فَالتَفَتُّ عَنْ يَمِيْنِي، فَإِذَا بِرَجُلٍ أنْضَر النَّاسِ عَلَيْهِ ثِيَابُ بَيَاضٍ. فَقَالَ: هَذَا مَعْرُوْفٌ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، وخَلَوْتُ بِهِ، فَقَالَ: يَا فُلَانٌ، لَا أَكْبَرُ في عَيْنَيْكَ، لِمَا
(١) في (ط): "بيض" وتصححها العبارة الآتية.(٢) ساقط من (ط).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute