فالاجتهاد في القبلة خاص بمن يعرف الأدلة المنصوبة على معرفة القبلة بخلاف التحري فهو عام في حق الكل، وهو ميل القلب دون أمارة أو أصل.
ولهذا قال السمرقندي الحنفي:«التحري في الأحكام مشروع في حق الكل؛ لأن التحري هو العمل بشهادة القلب عند عدم سائر الأدلة الشرعية والعقلية»(١).
وقال ابن عابدين:«قبلة التحري مبنية على مجرد شهادة القلب»(٢).
فإن عدم الميل إلى جهة من الجهات، فهو المتحيِّر، وسوف يأتي إن شاء الله بحثه في مسألة مستقلة
[م-٣٤٦] إذا عرفت الفرق بين الاجتهاد والتحري، نأتي إلى ذكر الخلاف في حكم تحكيم القلب في تحديد القبلة:
فقيل:«لا يتحرى، فإذا عجز عن التقليد أو تحير المجتهد تخير أي جهة شاء، وصلى، وهو نص خليل في مختصره، ونسب للكافة، وبه قال الشافعية في الأظهر إلى أنهم قالوا: يقضي الصلاة إذا قدر»(٣).
(١) انظر ميزان الأصول (١/ ٦٨٣). (٢) حاشية ابن عابدين (١/ ٤٣٣). (٣) الشرح الصغير للدردير مع حاشية الصاوي (١/ ٢٩٦)، الشرح الكبير للدردير (١/ ٢٢٧)، مختصر خليل (ص: ٣١)، شرح الخرشي (١/ ٢٥٩)، شرح التلقين (١/ ٤٩٤، ٤٩٥)، جامع الأمهات (ص: ٩١، ٩٢). وجعل المالكية أحوال المصلي ومراتبه في القبلة إلى أقسام: أحدها: تحريم الاجتهاد، ووجوب الأخذ باليقين، وهذا لمن كان في أحد الحرمين. الثاني: الاجتهاد وهذا فرض لكل غائب عن الحرمين عالم بأدلة القبلة، وكذا إذا كان يمكنه التعلم، والوقت متسع. الثالث: التقليد سواء أكان التقليد لمجتهد أم لمحراب، وهو سبيل من تعذر عليه الاجتهاد، ويلحق به الأعمى. الرابع: العاجز عن التقليد، والمجتهد إذا خفيت عليه الأدلة، فإنه يصلي إلى أي جهة شاء، وقيل: إن صَلىَّ إلى أربع جهات فهو حسن. ولم يذكروا التحري من المراتب انظر الذخيرة للقرافي (٢/ ١٢٢)، التاج والإكليل (٢/ ١٩٨)، التوضيح لخليل (١/ ٣٢٢). =