وفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى في الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- عِنْدَمَا أَمَرَ ببنَاءِ المَسْجِدِ، أرْسَلَ إلى مَلَأِ بَنِي النَّجَّارِ، فَجَاؤُوا، فَقَالَ لَهُمْ:"يَا بَنِي النَّجَّارِ، ثَامِنُونِي (٤) بِحَائِطِكُمْ (٥) هَذَا".
فَقَالُوا: لا وَاللَّهِ، لا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللَّهِ (٦).
قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ: وظَاهِرُ الحَدِيثِ أَنَّهُمْ لَمْ يَأْخُذُوا مِنْهُ ثَمَنًا، وذَكَرَ ابنُ سَعْدٍ في طَبَقَاتِهِ (٧) أَنَّهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- اشْترَاهُ مِنْهُمَا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ أخَذَهُمَا مِنْ أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رضي اللَّه عنه-.
(١) الهِبَة: هي العَطِيّة الخَالِيَةُ عن الأعواض والأغراض. انظر النهاية (٥/ ٢٠٠). (٢) ابتَاعَ الشيء: اشترَاهُ. انظر لسان العرب (١/ ٥٥٧). (٣) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب مناقب الأنصار- باب هجرة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه إلى المدينة - رقم الحديث (٣٩٠٦). (٤) ثَامِنُوني: أي قَرِّرُوا معي ثَمَنَهُ وبِيعُونِيه بالثَّمن. انظر النهاية (١/ ٢١٧). (٥) الحَائِطُ: هو البستان من النخيل إذا كان عليه حائط وهو الجِدَار. انظر النهاية (١/ ٤٤٤). قال الحافظ في الفتح (٧/ ٦٨٣): تقدم أنَّه كان مربدًا، فلعله كان أولًا حَائطًا ثم خِرَب فصار مربدًا، ويؤيدُه قوله كما سيأتي: إنه كان فيه نخلٌ وخِرَب. (٦) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب مناقب الأَنصار - باب مقدم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه المدينة - رقم الحديث (٣٩٣٢) - ومسلم في صحيحه - كتاب المساجد ومواضع الصلاة - باب ابتناء مسجد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رقم الحديث (٥٢٤). (٧) انظر الطبَّقَات الكُبْرى لابن سعد (١/ ١١٥).