كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون

من الهجرة إلى دخول الرسول -صلى الله عليه وسلم- المدينة - * قصة أبي جهل مع عياش -رضي الله عنه - ج: 2 - ص: 21

قُلْتُ: وَمِمَّا يُؤَكِّدُ ضَعْفَ هَذَا الخَبَرَ أَنَّ عُمَرَ -رضي اللَّه عنه- رُغْمَ قُوَّتِهِ، وَشِدَّتِهِ لَا يَسْتَطِيعُ وَحْدَهُ أَنْ يُقَاتِلَ كُلَّ قُرَيْشٍ، وَقَدْ أَخْرَجَ الإِمَامُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: بَيْنَمَا هُوَ فِي الدَّارِ -أَيْ عُمَرُ -رضي اللَّه عنه- (١) خَائِفًا، إِذْ جَاءَهُ العَاصُ بنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ، وَهُمْ حُلَفَاؤُنَا فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ لَهُ: مَا بَالُكَ؟ قَالَ: زَعَمَ قَوْمُكَ أَنَّهُمْ سَيَقْتُلُونَنِي أَنْ أَسْلَمْتُ، قَالَ: لَا سَبِيلَ إِلَيْكَ، فَخَرَجَ العَاصُ، فَلَقَى النَّاسَ قَدْ سَالَ بِهِمُ الوَادِي، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: نُرِيدُ هَذَا ابنَ الخَطَّابِ الذِي صَبَأَ، قَالَ: فَأَنَا لَهُ جَارٌ، لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ، فكَرَّ (٢) النَّاسُ (٣).

وَكَانَتْ قُرَيْشٌ كُلَّمَا عَلِمَتْ بِأَحَدٍ يُرِيدُ الهِجْرَةَ آذَتْهُ، وَحَاوَلَتْ فِتْنَتَهُ أَوْ حَبْسَهُ، وَلذَلِكَ لَمْ يَكُنْ أَحَد يَجْرُؤُ عَلَى الخُرُوجِ إِلَّا خُفْيَةً.

* قِصَّةُ أَبِي جَهْلٍ مَعَ عَيَّاشٍ -رضي اللَّه عنه-:

وَلَمَّا قَدِمُوا المَدِينَةَ خَرَجَ أَبُو جَهْلٍ بنُ هِشَامٍ وَأَخُوهُ الحَارِثُ (٤) إِلَى عَيَّاشِ بنِ أَبِي رَبِيعَةَ -رضي اللَّه عنه-، وَكَانَ ابنَ عَمِّهِمَا وَأَخَاهُمَا لِأُمِّهِمَا، حَتَّى قَدِمَا المَدِينَةَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لَا يَزَالُ بِمَكَّةَ، فَكَلَّمَ أَبُو جَهْلٍ عَيَّاشًا، وَقَالَ لَهُ:

---

(١) وهذا الحادث حدث عندما أسلم عمر -رضي اللَّه عنه-.
(٢) الكَرُّ: الرجوع. انظر لسان العرب (١٢/ ٦٤).
(٣) أخرجه الإمام البخاري في صحيحه فِي قصة إسلام عمر -رضي اللَّه عنه- كتاب مناقب الأنصار - باب إسلام عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- رقم الحديث (٣٨٦٤).
(٤) الحارث بن هشام أخو أبو جهل، أسلم -رضي اللَّه عنه- في فتح مكة وحسن إسلامه.