وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَنَسٍ -رضي اللَّه عنه- أَنَّهُ قَالَ: جَعَلَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ الْخَنْدَقَ حَوْلَ المَدِينَةِ، ثُمَّ قَالَ -رضي اللَّه عنه-: . . . يُؤْتَوْنَ بِمِلْءِ كَفَّيْ مِنَ الشَّعِيرِ فيصْنَعُ (١) لَهُمْ بِإِهَالَةٍ (٢) سَنِخَةٍ (٣) تُوضَعُ بَيْنَ يَدَيِ الْقوْمِ، وَالْقَوْمُ جِيَاعٌ، وَهِيَ بَشِعَةٌ (٤) فِي الْخَلْقِ، وَلَهَا رِيحٌ مُنْتِنٌ (٥).
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَلَى الرُّغْمِ مِنَ الْهَوْلِ الْمُرْعِبِ وَالضِّيقِ الْمُجْهِدِ، مَثَابَةَ الْأَمَانِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَمَصْدَرَ الثِّقَةِ وَالرَّجَاءِ وَالِاطْمِئْنَانِ، وَإِنَّ دِرَاسَةَ مَوْقِفِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي هَذَا الْحَادِثِ الضَّخْمِ لَمِمَّا يَرْسَمُ لِقَادَةِ الْجَمَاعَاتِ وَالْحَرَكَاتِ طَرِيقَهُمْ، وَفِيهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ، وَتَطْلُبُ نَفْسُهُ الْقُدْوَةَ الطَّيِّبَةَ، وَيَذْكُرُ اللَّهَ وَلَا يَنْسَاهُ (٦).
* تَخَاذُلُ الْمُنَافِقِينَ:
أَمَّا الْمُنَافِقُونَ فَقَدْ كَانُوا يَتَأَخَّرُونَ فِي الْعَمَلِ، وَيُثَبِّطُونَ عَزَائِمَ الْمُسْلِمِينَ
(١) فَيُصْنَعُ: أَيْ يُطْبَخُ. انظر فتح الباري (٨/ ١٥١).(٢) قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (٨/ ١٥١): الإِهَالَةُ: بكسرِ الهمزةِ وتخفيفِ الهاءِ: الدُّهْنُ الذِي يُؤْتَدَمُ به سواءٌ كَانَ زَيْتًا أو سَمْنًا أو شَحْمًا.(٣) قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (٨/ ١٥١): سَنِخَةٌ: أَيْ تغيَّرَ طَعْمُهَا ولونُها من قِدَمِهَا، ولهذا وصفَهَا بكونِها بَشِعَةً.(٤) بَشِعَةٌ: أي خَشِنَةٌ كَرِيهَةُ الطَّعْمِ. انظر النِّهاية (١/ ١٢٩).(٥) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب المغازي - باب غزوة الخندق - رقم الحديث (٤١٠٠) - وأخرجه الطحاوي في شرح مُشْكِلِ الآثارِ (١٠/ ١٩٦).(٦) في ظِلالِ القرآنِ لسيِّد قُطْب رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى (٥/ ٢٨٤١).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute