فَغَضِبَ بَنُو عَبْدِ الدَّارِ لِقَوْلِ أَبِي سُفْيَانَ أَشَدَّ الغَضَبِ، فَهَمُّوا بِهِ وَتَوَعَّدُوهُ، وَقَالُوا لَهُ: نَحْنُ نُسَلِّمُ إِلَيْكَ لِوَاءَنَا! سَتَعْلَمُ غَدًا إِذَا الْتَقَيْنَا كَيْفَ نَصْنَعُ، وَقَدْ ثَبتُوا عِنْدَ احْتِدَامِ المَعْرَكَةِ حَتَّى أُبِيدُوا عَنْ بَكْرَةِ أَبِيهِمْ (١).
وَهَكَذَا نَجَحَ أَبُو سُفْيَانَ في إِثَارَةِ حَمِيَّتهِمْ لِحِمَايَةِ اللِّوَاءَ.
* مُحَاوَلَاتٌ فَاشِلَةٌ في إِيقَاعِ الفُرْقَةِ وَالنِّزَاعِ في جَيْشِ المُسْلِمِينَ:
وَقبيْلَ نُشُوبِ المَعْرَكَةِ حَاوَلَتْ قُرَيْشٌ إِيقَاعَ الفُرْقَةِ وَالنِّزَاعِ في صُفُوفِ المُسْلِمِينَ، فَقَدْ أَرْسَلَ أَبُو سُفْيَانَ رَسُولًا إلى الأَنْصَارِ يَقُولُ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ الأَوْسِ وَالخَزْرَجِ! خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ ابْنِ عَمِّنَا نَنْصَرِفْ عَنْكُمْ، فَإِنَّهُ لَا حَاجَةَ لَنَا بِقِتَالِكُمْ.
وَلَكِنْ أَيْنَ هَذِهِ المُحَاوَلَةُ أَمَامَ الإِيمَانِ الذِي لَا تَقُومُ لَهُ الجِبَالُ، فَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ الأَنْصَارُ رَدًّا عَنِيفا، وَأَسْمَعُوهُ مَا يَكْرَهُ.
ثُمَّ خَرَجَ إلى الأَنْصَارِ أَبُو عَامِرٍ الفَاسِقُ، وَاسْمُهُ عَبْدُ عَمْرِو بنِ صَيْفِيٍّ، وَكَانَ يُسَمَّى الرَّاهِبَ، فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- الفَاسِقَ، وَكَانَ رَأْسَ الأَوْسِ في الجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- المَدِينَةَ جَاهَرَهُ بِالعَدَاوَةِ، فَخَرَجَ مِنَ المَدِينَةِ وَمَعَهُ خَمْسُونَ غُلَامًا مِنَ الأَوْسِ، وَقِيلَ: خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلًا، وَذَهَبَ إلى قُرَيْشٍ يُؤَلِّبُهُمْ (٢) وَيَحُضُّهُمْ عَلَى قِتَالِ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَمِنْ مَكَائِدِهِ يَوْمَ أُحُدٍ حَفْرُ الحُفَرِ
(١) انظر دلائل النبوة للبيهقي (٣/ ٢٠٩) - البداية والنهاية (٤/ ٣٩١) - سيرة ابن هشام (٣/ ٧٥).(٢) ألَّبَهم: جمعهم. انظر لسان العرب (١/ ١٧٧).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute