= كانوا إذا حاضَتِ المرأةُ فيهم، لم يُؤَاكِلُوهَا، ولم يُجَامعوهن في البيوت، فسألَ أصحابُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأنزل اللَّه تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} سورة البقرة آية (٢٢٢)، فقال رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اصنَعُوا كل شيءٍ إلا النِّكَاحَ" فبلغَ ذلك اليهودَ، فقالوا: ما يُريد هذا الرجل أن يَدَعَ مِنْ أمرنا شَيْئًا إلا خالفَنَا فيه؟ . قال الحافظ في الفتح (١١/ ٥٥٧): . . . والذي جزم به القرطبي أنَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يُوَافقهم -أي أهل الكتاب- لمَصْلَحَةِ التأليف محتمل، ويحتمل أيضًا، وهو أقربُ، أن الحالةَ التي تدُورُ بين الأمرينِ لا ثالثَ لهما إذا لم ينزِل علي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- شيء كان يعمل فيه بموافَقَة أهل الكتاب؛ لأنهم أصحابُ شَرْع بخلاف عبَدَةِ الأوثَانِ، فإنهم ليسوا على شريعةٍ، فلما أسلم المُشركون انحصَرَت المخالفة في أهل الكتاب فأمر بِمُخَالفتهم، . . . وقد زادت الأحاديث بِمُخَالفة أهل الكتاب علي الثلاثين حُكمًا، فمنها: صوم عاشُوراء، ومنها استقبَال القبلة، ومنها مخالفتهم في مُخَالطة الحائضِ، ومنها النهيُ عن صوم يومِ السَّبت منفردًا؛ لأنه عيد لليهود، ومنها فَرْقَ شعر ناصية، وغيرها. (١) انظر فتح الباري (٤/ ٧٧٢). (٢) أخرجه مسلم في صحيحه - كتاب الصيام - باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر - رقم الحديث (١١٦٢) (١٩٧).