وَرَدَّ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَقَالَ: وَجَوَابُهُ أَنَّهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- لَمْ يَتَأَسَّفْ لِكَوْنِهِ -أَي التَّمَتُّعُ- أَفْضَلَ مِنَ الْقِرَانِ فِي حَقِّ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ، وَإِنَّمَا تَأَسَّفَ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَشُقَّ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي بَقَائِهِ عَلَى إِحْرَامِهِ وَأَمْرِهِ لَهُمْ بِالْإِحْلَالِ، وَلِهَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ لَمَّا تَأَمَّلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ هَذَا السِّرَّ نَصَّ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ، عَلَى أَنَّ التَّمَتُّعَ أَفْضَلُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ، لِأَمْرِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مَنْ لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ مِنْ أَصْحَابِهِ بِالتَّمَتُّعِ، وَأَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ فِي حَقِّ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ، كَمَا اخْتَارَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (١).
* إِقَامَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِمَكَّةَ:
ثُمَّ عَادَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ طَوَافِهِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَأَمْرِهِ أَصْحَابَهُ بِفَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ لِمَنْ لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ، حَتَّى نَزَلَ بِالْأَبْطَحِ شَرْقِيِّ مَكَّةَ، فَأَقَامَ هُنَاكَ بَقِيَّةَ يَوْمِ الْأَحَدِ، وَالِاثْنَيْنِ، وَالثُّلَاثَاءِ، وَالْأَرْبِعَاءِ حَتَّى صَلَّى الصُّبْحَ مِنْ يَوْمِ الْخَمِيسِ، كُلُّ ذَلِكَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ هُنَاكَ، وَلَمْ يَعُدْ إِلَى الْكَعْبَةِ بَعْدَ طَوَافِهِ بِهَا حَتَّى رَجَعَ مِنْ عَرَفَةَ.
رَوَى الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مَكَّةَ فَطَافَ، وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلَمْ يَقْرَبِ الْكَعْبَةَ بَعْدَ طَوَافِهِ بِهَا حَتَّى رَجَعَ مِنْ عَرَفَةَ (٢).
(١) انظر البداية والنهاية (٥/ ١٧٦).(٢) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب الحج - باب من لم يقرب الكعبة - رقم الحديث (١٦٢٥).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute