فهذا يبيِّن أن استدامة الطيب كاستدامة اللباس، وقد روي عن عمر وابنه نحو ذلك.
قيل: قد أجاب أصحابنا عن هذا بجوابين:
أحدهما: أنه أمره بغسله لأنه كان زعفرانًا، وقد نهى النبي (١) - صلى الله عليه وسلم - أن يتزعفر [ق ٢٤٧] الرجل سواء كان حرامًا أو حلالًا، لأن طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه.
الثاني: أن هذا كان بالجِعرانة، وكانت في ذي القعدة سنة ثمانٍ عقيب (٢) قَسْمِ غنائم حنين (٣)، وقد حجَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة عشر واستدام الطيب، وإنما يؤخذ بالآخِر فالآخِر من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لأنه يكون ناسخًا للأول.
فصل
يحرم عليه أن يتطيَّب في بدنه وثيابه، سواء مسَّ الطيبُ بدنه أو لم يمسَّه، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في المحرم الموقوص (٤): «لا تُقرِّبوه طيبًا». وفي لفظ:«لا تُحنِّطوه». وجعلُه في ظاهره تقريبٌ له، لا سيما والحنوط هو مشروع بين الأكفان. فلما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن تحنيطه عُلِم أن قصْدَه (٥) تحنيط بدنه وثيابه، ولو كان تحنيطُ ظاهرِ الثوب جائزًا لم ينهَ عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل أمر به
(١) كلمة «النبي» ساقطة من المطبوع. (٢) في المطبوع: «عقب» خلاف ما في النسختين. (٣) في هامش النسختين: «هوازن». ويراجع «سيرة ابن هشام» (٢/ ٤٥٩، ٤٨٨). (٤) في المطبوع: «الموقص» خلاف النسختين. (٥) س: «قصد».