قال ابن القيم: فاجْمَعْ بين قوله: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ … »، وقوله لمن ظنَّ أنَّه غيرَ ملاقيه:«فإنِّي أنساكَ كما نسيتني»، وإجماع أهل اللغة أنَّ اللقاء: المعاينة بالأبصارِ؛ يحصلْ لك العلمُ بأنَّ منكر الرؤية أحقُّ بهذا الوعيد. ومن تراجم أهل السنَّة على هذا الحديث:"بابٌ: في الوعيد لمنكر الرؤية"، كما فعل شيخ الإسلام وغيره، وباللَّه التوفيق ا. هـ (٢). قلت: وَذكره ابن مندة في الإيمان مع غيره تحت عنوان: "ذِكْرُ وُجُوبِ الْإِيمَانِ بِرُؤْيَةِ اللَّهِ -عز وجل- " ا. هـ (٣)
رُؤْيَةِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- رَبَّهُ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ:
لَا خِلَافَ فِي ثُبُوتِ رُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ رَبَّهُمْ -تبارك وتعالى- فِي دَارِ الْآخِرَةِ. كما تقدم. وَكَذَا لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّهُ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ قَبْلَ الْمَوْتِ. وَإِنَّمَا وَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي ثُبُوتِ: رُؤْيَةِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- رَبَّهُ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ. والصحيح أنه لم يره كما في حديث أبي ذر -رضي الله عنه- أَنَّهُ سَأَلَ النبي -صلى الله عليه وسلم-: هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: «نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ»، أَيْ: حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ رُؤْيَتِهِ النُّورُ، كَمَا قَالَ فِي لَفْظٍ آخَرَ:«رَأَيْتُ نُورًا»(٤).
قال ابن القيم: وَقَدْ حَكَى عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ اتّفَاقَ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ. (٥)
(١) صحيح مسلم (٢٩٦٨). (٢) -حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح - ط عطاءات العلم- (٢/ ٧١٣) (٣) (٢/ ٧٧٩). (٤) صحيح البخاري (٦٥٤٥، ٧٥١٨)، صحيح مسلم (٢٨٢٩) (٥) زاد المعاد في هدي خير العباد (٣/ ٣٣ - ٣٥) وانظر: نقض الدارمي على المريسي ت الألمعي (٢/ ٧٣٨)، والرد على الجهمية للدارمي - ت الشوامي (ص ١١٤).