قلت: ولهذا لم يأتِ في النصوص الشرعية في الكبائر مثلما جاء في أمر القتل بغير حق، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا» رواه البخاري من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- (١).
ومما يدل على عظمة هذا الذنب: أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- خَطَبَ النَّاسَ - يَوْمَ عَرَفَةَ -: فَقَالَ: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، … » ثم قال: «وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟» قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَقَالَ: بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ «اللهُمَّ، اشْهَدْ، اللهُمَّ، اشْهَدْ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. (٣).
ثم خطب الناس يوم النحر فأعاد عليهم مقالته هذه في حرمة الدماء: كما في حديث أَبِي بَكْرَةَ -رضي الله عنه- أنه ذَكَرَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَعَدَ عَلَى بَعِيرِهِ، وَأَمْسَكَ إِنْسَانٌ بِخِطَامِهِ - أَوْ بِزِمَامِهِ - قَالَ:«أَيُّ يَوْمٍ هَذَا»، فَسَكَتْنَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ سِوَى اسْمِهِ، قَالَ:«أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ» قُلْنَا: بَلَى، قَالَ:«فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا» فَسَكَتْنَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقَالَ:«أَلَيْسَ بِذِي الحِجَّةِ» قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، بَيْنَكُمْ حَرَامٌ،
(١) أخرجه البخاري (٦٨٦٢) (٢) فتح الباري (١٢/ ١٨٨) (٣) رواه مسلم (١٢١٨) عن جابر -رضي الله عنه- وفي الباب عن العداء بن خالد رواه أحمد (٢٠٣٣٦) وانظر الحديث الآتي.