إذا خرج منها الفرخ. فهذه عند التفكر والتأمل ليست عبثًا، بل إنَّ لها موجدًا، وهو الله -سبحانه وتعالى-. وسئل أبو نُوَاس الشاعر المعروف فأنشد:
تأمَّلْ في نباتِ الأرضِ وانظر … إلى آثار ما صَنَعَ المليكُ
عيونٌ من لُجَينٍ شاخصاتٌ … بأحداقٍ هي الذهبُ السبيكُ
على قُضُبِ الزَّبَرْجَدِ شاهداتٌ … بأنَّ اللهَ ليس له شريكُ (١)
هذا النبات وهذا الكون كله يشهد بوجود الله -سبحانه وتعالى-.
وذكر ابن المعتز عن أبي العتاهية أنه كتب:
أيا عجبَا كيف يُعصَى الإلـ … ـهُ أم كيف يجحدُهُ الجاحدُ!؟
ولله في كلِّ تحريكةٍ … وتسكينةٍ أبدًا شاهدُ
وفي كلِّ شيءٍ له آيةٌ … تدُلُّ على أنه واحدُ
فرأى هذه الأبيات أبو نواس فكتب:
سبحانَ منْ خَلَقَ الخَلْـ … ـــقَ مِنْ ضعيفٍ مَهينِ
فساقه مِنْ قرارٍ … إلى قرارٍ مَكينِ
يحول شيئًا فشيئًا … في الحجب دون العُيون (٢)
[التأمل في خلق الإنسان]
وتأمل في خلقكِ {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} [الأعراف: ١١].
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "خُلِقوا في أصلاب الرجال، وصُوِّرُوا في أرحام النساء" (٣).
فخلقك يحتاج إلى تأمل وإلى تفكر كما قال تعالى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (٢١)} [الذاريات].
وقرأ عبد الرحمن بْنُ زَيْدٍ -رحمه الله-: هذه الآية مع قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ
(١) انظر قصة الإمام مالك وما بعدها في مفاتيح الغيب (٢/ ٣٣٣ - ٣٣٤)، وتفسير ابن كثير (١/ ١٩٨، ١٩٧).
(٢) انظر الأبيات في طبقات الشعراء لابن المعتز، ص ٢٠٨، ٢٠٧، وأورد نحوها البيهقي في الشعب (١٠٥).
(٣) رواه ابن أبي حاتم في تفسيره (٨٢٣٢) والحاكم (٣٢٤٢) -وعنه البيهقي في شعب الإيمان (١٠٦) - وصححه على شرطهما والصواب أنه صحيح فقط.