وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه-، لَقِيَ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: نَحْنُ الْمُتَوَكِّلُونَ. قَالَ:«بَلْ أَنْتُمُ الْمُتَّكِلُونَ، إِنَّمَا الْمُتَوَكِّلُ الَّذِي يُلْقِي حَبَّهُ فِي الْأَرْضِ، وَيَتَوَكَّلُ عَلَى اللَّهِ»(١). فهذه كلها تدل على أن الإيمان بالقضاء والقدر لا يتنافى مع العمل بالأسباب. ويقول الله لنا:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}[غافر: ٦٠]. أمرنا أن ندعوه وأن نستعين به {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ}[البقرة: ٤٥].
فأمر باتخاذ الأسباب التي تعيننا على طلب المعاش.
[اعملوا فكل ميسر لما خلق له]
وكذلك أَمَرَنا باتخاذ الأسباب الشرعية التي تؤدي إلى رضوانه وجنَّته، فأَمَرَنا بالصلاة والزكاة والصيام والحج، وكلُّ ذلك يدُلُّ على أنه لا بُدَّ من العمل؛ ولهذا لما بيَّنَ النبي -صلى الله عليه وسلم- للصحابة -رضوان الله عليهم- ما يتعلق بالقدر وقال لهم:«مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلاَّ كُتِبَ مَكَانُهَا مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَإِلاَّ قَدْ كُتِبَ شَقِيَّةً، أَوْ سَعِيدَةً» قال رجل: يا رسول الله، أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ [لِمَا خُلِقَ لَهُ]، أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ» ثُمَّ قَرَأَ قول الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (١٠)} [الليل] متفق عليه (٢).
وفي البخاري عَنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَينٍ -رضي الله عنها-، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فِيمَا يَعْمَلُ
(١) أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب "التوكل على الله" (١٠) وإسناده صحيح إلى معاوية وهو لم يلق عمر -رضي الله عنه-. (٢) أخرجه البخاري (١٣٦٢، ٤٩٤٩)، ومسلم (٢٦٤٧) من حديث علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-. (٣) أخرجه مسلم (٢٦٤٨).