وفي السنة لأبي بكر بن الخلال أَنَّ الإمام أحمد -رحمه الله- سُئِلَ عَنِ الْقَدَرِ، فَقَالَ:" الْقَدَرُ قُدْرَةُ اللَّهِ -عز وجل- عَلَى الْعِبَادِ، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنْ زَنَى فَبِقَدَرٍ، وَإِنْ سَرَقَ فَبِقَدَرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، اللَّهُ قَدَّرَهُ عَلَيْهِ "(٢)
وعلق شيخ الإسلام -رحمه الله- على كلام الإمام أحمد -رحمه الله- فقال: يُشِيرُ إِلَى أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ الْقَدَرَ فَقَدْ أَنْكَرَ قُدْرَةَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إِثْبَاتَ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ (٣). واستحسن ابن عقيل -رحمه الله- هذا الكلام من الإمام أحمد غاية الاستحسان وقال: إنه شفى بهذه الكلمة وأفصح بها عن حقيقة القدر. وقال: هذا يدل على دقة علم أحمد وتبحره في معرفة أصول الدين ا. هـ (٤)
قال ابن القيم -رحمه الله-: وهو كما قال أبو الوفاء: فإن إنكار القدر إنكار لقدرة الرب على خلق أعمال العباد وكتابها وتقديرها وسلف القدرية كانوا ينكرون علمه بها وهم الذين اتفق سلف الأمة على تكفيرهم ا. هـ (٥)
وقال: والقدر منشؤُه عن علم الرب وقدرته (٦)
وقال أيضا: والمخاصمون في القدر نوعان: أحدهما: من يبطل أمر الله ونهيه بقضائه وقدره كالذين قالوا {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا}[الأنعام: ١٤٨]
والثاني: من ينكر قضاءه وقدره السابق والطائفتان خصماء الله. قال عوف: مَنْ كَذَّبَ بِالْقَدَرِ، فَقَدْ كَذَّبَ بِالْإِسْلَامِ، إِنَّ اللَّهَ -تبارك وتعالى- قدر أقدارا وخَلْقَ الْخَلْقِ بِقَدَرٍ وَقَسَمَ الآجال بِقَدَرٍ وقسم
(١) القدر للفريابي (٢٠٨) -وعنه الآجري في الشريعة (٤٨٣) واللفظ له-. وابن بطة في الإبانة الكبرى (١٨٠٤) (٢) كتاب السنة (٩٠٤) وانظر: مسائل أحمد بن حنبل رواية ابن هانئ (١٨٦٨) (٣) منهاج السنة النبوية (٣/ ٢٥٤) (٤) نقله عنه ابن القيم في طريق الهجرتين وباب السعادتين (ص: ٩٢) وشفاء العليل (ص: ٢٨) (٥) شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل (ص: ٢٨) (٦) طريق الهجرتين وباب السعادتين (ص: ٩٢)