وفي أخرى (١) قال: سألوا النبي صلى الله عليه وسلم، حتى أحْفَوْهُ في المسألة، فصعِد ذات يوم المنبر، فقال:"لا تسألوني عن شيء إلا بينتُهُ لكم"، فلما سمعُوا ذلك أرمُّوا ورهبُوا أن يكون بين يدي أمر قد حضر، قال أنسٌ: فجعلتُ أنظرُ يميناً وشمالاً، فإذا كلُّ رجلٍ لافٌّ رأسه في ثوبه يبْكي، فأنشأ رجلٌ - كان إذا لاحى يُدْعَى إلى غير أبيه - فقال: يا نبي الله، من أبي؟ قال:"أبو حُذافةُ"، ثم أنشأ عمر، فقال: رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ رسولاً، نعوذُ بالله من الفتن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما رأيت في الخير والشر كاليوم قطُّ، إني صُوِّرتْ لي الجنةُ والنارُ، حتى رأيتُهما دون الحائطِ".
قال قتادة: يُذكرُ هذا الحديث عند هذه الآية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}.
وأخرج الترمذي منه (٢) طرفاً يسيراً، قال: قال رجلٌ: يا رسول الله، منْ أبي؟ قال: أبوك فلانٌ، فنزلتْ:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}.
قال النووي في تفسير كلمة أم حذافة:
معناه: لو كنت من زنا فنفاك عن أبيك حذافة فضحتني.
وأما قوله:"لو ألحقني بعبد أسود للحقته" فقد يقال: هذا لا يتصور، لأن الزنا لا يثبت ب النسب. ويجاب عنه: بأنه يحتمل وجهين:
أحدهما: أن ابن حذافة ما كان بلغه هذا الحكم، وكان يظن أن ولد الزنا يلحق
(١) مسلم نفس الموضع السابق (٤/ ١٨٣٤). (٢) الترمذي (٥/ ٢٥٦) ٤٨ - كتاب التفسير، ٦ - باب "ومن سورة المائدة". (أحفوهُ) الإحفاء في السؤال: الاستقصاء والإكثارُ. (أرَمُّوا) أرم الإنسان: إذا أطرق ساكتاً من الخوف. (رهبةً) الرهبةُ: الخوف والفزعُ.