وعَنْ زيد بن أَسْلم رضي اللّه عَنْهُ يَرْفَعُهُ:"مَنْ وجدتموه قَدْ قطع مِنَ الحِمَى شيئًا فاسلُبُوه واضْرِبُوه".
وعن جابِرٍ رضي الله عَنْهُ قال: كُنَّا لَنَسْمَعُهُ يتقي قطع شيءٍ مِن الحِمَى حتى المَسَدَ للمَحالة.
وعن مالِكٍ عن أبي محمد بن يزيد رضي الله عَنْهُ قال:"إنَّ رَسُول اللّه - صلى الله عليه وسلم - نَظَرَ إلى رَجُلٍ يَخْبِطُ على غَنَمٍ، فَبَعَثَ فارِسَيْنِ فأمَرَهُما أنْ يَسُوقاهُ وغَنَمَهُ سَوْقًا رَفيقًا حَتَّى يُخْرِجاهُ وغَنَمَهُ، وقال عِنْدَ ذَلِكَ: هُشُّوا وارْعَوا".
قال مالِكٌ رحمه اللّه: حَرَّم الشجَرَ بريدًا في بَرِيدٍ. قلت:(١) هل لِتَخْصيصِ هذا القَدْرِ المُعَيَّن بالحُرْمَةِ سِرٌّ يُمْكِنُ اتضْاحُهُ أم لا؟ قلت: نَعَم يُمْكِنُ أن يُقال: إنَّما خَصَّ رَسُول اللّه - صلى الله عليه وسلم - المِقْدَارَ المُعَيَّنَ المَعْلُومَ بالحُرْمَةِ بمُقْتَضَى امْتِثَالِ الأمْرِ الإلهي، واتِّباع الوَحْي الرَّبَّاني الذي نزل عَلَيْهِ بِتَعْيينِ ذلكَ. أو لما شاهَدَهُ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أمْرٍ ربَّانيٍّ وسِرٍّ روحانيٍّ مُوجَّهٍ إلى تلْكَ البِقَاع، فَكانَ منتهاها تِلْكَ الحُدودِ، التي عَيَّنها - صلى الله عليه وسلم -.
ويذكر أَهْلُ الكَشْفِ والشُّهود أنَّهم يُشَاهِدُونَ تلْكَ الأنوار واصلة إلى حُدُود الحَرَم، ولها منابع تنبع منها وتكونُ عنها. وذلك في الحَرَمَيْنِ جَمِيعًا. فَتِلْك الأحكَامُ الظَّاهِرة ناتِجَةٌ عَنْ تلْك الحقائِق الباطِنَةِ وأَدلَّةٌ عليها (٢).
تُمَّ اعْلَم أن العُقُولَ البَشَرِيَّةَ عُمُومًا قاصرة عن إِدْرَاكِ حَقِيقَةِ معنى الأحكام المُتَلَقَّاةِ عن النُّبُوَّةِ، لأنَّها وارِدَةٌ عن طَوْرٍ فَوْق العُقُولِ البَشَرِيَّةِ، وإِنَّما تَظْهَرُ لائحِةً من أَنْوارٍ شوارقُ مطالِعِها مخصوص من ضنائن اللّه
(١) في الأصل: (قال قلت) والسياق لا يقتضي كلمة (قال) فلذلك حذفتها. (٢) رحم اللّه المؤلف، ما كان أغناه عن هذا الكلام الذي ليس عليه دليل، وهو إلى الباطل أقرب منه إلى الحق.