واعترض عليه: بأنه لا يقاس الحائض على الجنب؛ لأن الجنب له أن يسرع في التطهر، أما الحائض فليس لها ذلك.
واستدلوا بما روى البخاري من حديث أم عطية قالت:«أُمِرْنَا أَنْ نُخْرِجَ الحُيَّضَ يَوْمَ العِيدَيْنِ، وَذَوَاتِ الخُدُورِ فَيَشْهَدْنَ جَمَاعَةَ المسْلمينَ وَدَعْوَتَهُمْ، وَيَعْتَزِلُ الحُيَّضُ عَنْ مُصَلَّاهُنَّ»(٢). قولها:«وَيَعْتَزِلُ الحُيَّضُ عَنْ مُصَلَّاهُنَّ» أي: مكان الصلاة، فدل ذلك على منع الحائض من دخول المسجد.
واعترض على هذا الاستدلال: بأن المراد «وَيَعْتَزِلُ الحُيَّضُ عَنْ مُصَلَّاهُنَّ» أي: تعتزل الحائض الصلاة، دل على ذلك ما رواه مسلم عن أم عطية قالت:«أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ أَنْ نُخْرِجَهُنَّ في الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى: الْعَوَاتِقَ، وَالْحُيَّضَ، وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلَاةَ»(٣). أي: أن المراد باعتزال الحيض المصلى هو حال الصلاة ليتسع المكان للنساء الطاهرات ثم يختلطن بهن بعد الصلاة (٤)، ثم إن الصلاة كانت في الفضاء وليست في المسجد.
واستدلوا بحديث عائشة ﵂ أن النبي ﷺ جَاءَ وَوُجُوهُ بُيُوتِ أَصْحَابِهِ شَارِعَةٌ في المَسْجِدِ، فَقَالَ: «وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عَنِ المسْجِدِ، فَإِنِّي لَا أُحِلُّ المسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا
(١) «الأم» (١/ ٥٤)، قلت: وقد ورد هذا التفسير عن ابن عباس، أخرجه الدارمي (١١٧٤)، وابن المنذر في «الأوسط» (٢/ ١٠٦)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (٢/ ٤٤٣)، وفي إسناده عيسى ابن ماهان، قال فيه الحافظ: صدوق. وورد عن أنس كما عند الدارمي (١١٧٥) والبيهقي في «الكبرى» (٢/ ٤٤٣) وفي إسناده الحسن بن أبي جعفر، منكر الحديث. وورد عن ابن مسعود كما عند عبد الرزاق (٤١٢١)، وابن المنذر في «الأوسط» (٢/ ١٠٦)، والبيهقي (٢/ ٤٤٣) وهو ضعيف، فإن أبا عبيدة لم يسمع من ابن مسعود. وقد رواه الطبري في «تفسيره» (٤/ ١٠٢) بإسناد فيه ضعف، وهو مرسل. (٢) البخاري (٣٥١)، ومسلم (٨٩٠). (٣) مسلم (٨٩٠). (٤) شرح البخاري لابن رجب (٢/ ١٤٢).