يصيب الثوب أو بعض الجسد، فإن ذلك لا يطهره إلا الغسل، وهذا إجماع (١).
[المبحث الثامن: التطهير بالاستحالة]
قال ابن القيم: وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ فَطَهَارَةُ الْخَمْرِ بِالِاسْتِحَالَةِ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ، فَإِنَّهَا نَجِسَةٌ لِوَصْفِ الْخُبْثِ، فَإِذَا زَالَ الْمُوجِبُ زَالَ الْمُوجَبُ، وَهَذَا أَصْلُ الشَّرِيعَةِ فِي مَصَادِرِهَا وَمَوَارِدِهَا بَلْ وَأَصْلُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَعَلَى هَذَا فَالْقِيَاسُ الصَّحِيحُ تَعْدِيَةُ ذَلِكَ إلَى سَائِرِ النَّجَاسَاتِ إذَا اسْتَحَالَتْ، وَقَدْ نَبَشَ النَّبِيُّ ﷺ قُبُورَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ مَوْضِعِ مَسْجِدِهِ، وَلَمْ يَنْقُلْ التُّرَابَ، وَقَدْ أَخْبَرَ الله سُبْحَانَهُ عَنْ اللَّبَنِ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الدَّابَّةَ إذَا عُلِفَتْ بِالنَّجَاسَةِ ثُمَّ حُبِسَتْ وَعُلِفَتْ بِالطَّاهِرَاتِ، حَلَّ لَبَنُهَا وَلَحْمُهَا، وَكَذَلِكَ الزَّرْعُ وَالثِّمَارُ إذَا سُقِيَتْ بِالْمَاءِ النَّجَسِ ثُمَّ سُقِيَتْ بِالطَّاهِرِ حَلَّتْ لِاسْتِحَالَةِ وَصْفِ الْخُبْثِ وَتَبَدُّلِهِ بِالطَّيِّبِ، وَعَكْسُ هَذَا أَنَّ الطَّيِّبَ إذَا اسْتَحَالَ خَبِيثًا صَارَ نَجَسًا كَالْمَاءِ وَالطَّعَامِ إذَا اسْتَحَالَ بَوْلًا وَعَذِرَةً، فَكَيْفَ أَثَّرَتِ الِاسْتِحَالَةُ فِي انْقِلَابِ الطَّيِّبِ خَبِيثًا وَلَمْ تُؤَثِّرْ فِي انْقِلَابِ الْخَبِيثِ طَيِّبًا؟! وَاَلله تَعَالَى يُخْرِجُ الطَّيِّبَ مِنْ الْخَبِيثِ وَالْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ، وَلَا عِبْرَةَ بِالْأَصْلِ، بَلْ بِوَصْفِ الشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ (٢).
قال شيخ الإسلام: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ النَّجَاسَةَ طَهُرَتْ بِالِاسْتِحَالَةِ فَإِنَّ نَفْسَ النَّجِسِ لَمْ يَطْهُرْ لَكِنْ اسْتَحَالَ، وَهَذَا الطَّاهِرُ لَيْسَ هُوَ ذَلِكَ النَّجِسَ وَإِنْ كَانَ مُسْتَحِيلًا مِنْهُ وَالْمَادَّةُ وَاحِدَةٌ، كَمَا أَنَّ الْمَاءَ لَيْسَ هُوَ الزَّرْعَ وَالْهَوَاءَ وَالْحَبَّ وَتُرَابُ الْمَقْبَرَةِ لَيْسَ هُوَ الْمَيِّتَ وَالْإِنْسَانُ لَيْسَ هُوَ الْمَنِيَّ، وَاَلله تَعَالَى يَخْلُقُ أَجْسَامَ الْعَالَمِ بَعْضَهَا مِنْ بَعْضٍ وَيُحِيلُ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ، وَهِيَ تُبَدَّلُ مَعَ الْحَقَائِقِ لَيْسَ هَذَا هَذَا (٣).
(١) «معالم السنن» (١/ ١٠٢).(٢) «إعلام الموقعين» (١/ ٤٤٥).(٣) «مجموع الفتاوى» (٢١/ ٦٠٨).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute