واستدلوا أيضًا بما ورد في الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقْرَأُ القُرْآنَ وَرَأْسُهُ فِي حَجْرِي وَأَنَا حَائِضٌ (١). فإذا كان النبي يذكر الله مع قربه من موضع الحيض دل ذلك على إباحة ذكر الله مع قضاء الحاجة.
والراجح: أنه يكره ذكر الله داخل الخلاء لما روى مسلم عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَجُلاً مَرَّ وَرَسُولُ اللهِ ﷺ يَبُولُ، فَسَلَّمَ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ. وردُّ السلام واجب؛ فلما لم يرد عليه رسول الله في هذا المكان، عُلم كراهة ذكر الله في أماكن الخلاء وخاصة حال قضاء الحاجة، والله أعلم.
[المطلب الثاني: الكلام في الخلاء]
ذهب جمهور العلماء إلى أن الكلام في الخلاء يُكره لغير حاجة (٢).
واستدلوا لذلك بما روى أحمد عن أَبُي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «لَا يَخْرُجِ الرَّجُلَانِ يَضْرِبَانِ الْغَائِطَ كَاشِفَينِ عَوْرَتَهُمَا يَتَحَدَّثَانِ؛ فَإِنَّ الله يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ»(٣).
(١) البخاري (٧٥٤٩)، ومسلم (٣٠١). (٢) فتح القدير (١/ ٢١٣)، والتاج والإكليل (١/ ٣٩٧)، والمجموع (٢/ ١٠٣)، والفروع (١/ ١١٤). (٣) ضعيف: أخرجه أحمد (٣/ ٣٦)، وأبو داود (١٥) وغيرهما من طرق عن عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن هلال بن عياض، عن أبي سعيد به. ولهذا السند علل: الأولى: في إسناده هلال بن عياض قال الذهبي: لا يُعرف. الثانية: أن الصحيح في هذا الحديث الإرسال، فقد خالف عكرمة بن عمار الأوزاعي فرواه عن يحيى بن أبي كثير عن رسول الله مرسلًا. أخرجه الحاكم (٥٦٠) والبيهقي (١/ ١٠٠). قال أبو حاتم: الصحيح في هذا المعنى حديث الأوزاعي وحديث عكرمة وهم. الثالثة: الاختلاف على عكرمة. انظر العلل للدارقطني. الرابعة: نقل الذهبي عن أحمد والبخاري ويحيى القطان أن أحاديث عكرمة بن عمار عن يحيى ابن أبي كثير ضعاف.